سلسلة مقالات تربوية للخبير التربوي الدكتور ناصر الجندي بعنوان نفحات تربوية

 فلسفة التعليم في الإسلام

التعليم في الإسلام ليس مجرد نقل للمعرفة، بل هو بناء للعقل والروح معًا، وتأسيس للأخلاق والقيم التي تسهم في إعداد الفرد ليكون نافعًا لنفسه ولمجتمعه. الإسلام وضع العلم في مكانة عالية منذ بدايات الوحي، عندما كانت أول كلمة نزلت من القرآن الكريم هي “اقرأ”، مما يدل على أن التعليم والتعلم أساسٌ لكل إصلاح وتقدم.

1. مفهوم التعليم في الإسلام

التعليم في الإسلام ليس هدفه النهائي الحصول على الشهادات أو المكانة الاجتماعية، بل هو وسيلة للوصول إلى فهم أعمق للحياة والعالم، ولتحقيق العبودية لله عز وجل. قال الله تعالى في القرآن الكريم: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” (الزمر: 9)، ما يوضح أن المعرفة هي وسيلة للتمييز بين الناس وليس المال أو السلطة.

التعليم في الإسلام شامل لكل جوانب الحياة، فهو يشمل العلوم الشرعية والدنيوية على حد سواء. هذا النهج الشمولي في التعليم يتجلى في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“طلب العلم فريضة على كل مسلم”، مما يوضح أن جميع المسلمين، رجالاً ونساءً، مطالبون بالسعي لاكتساب المعرفة.

2. أهمية العلم في حياة المسلم

في الإسلام، العلم هو نور يهدي صاحبه إلى الطريق الصحيح. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا يشجع أصحابه على التعلم واكتساب المعرفة. العلم هو السبيل إلى فهم أوامر الله وتدبير شؤون الحياة، وهو القوة التي تدفع الأمة نحو التقدم والازدهار.

الإسلام يربط بين العلم والإيمان، فكلما زادت معرفة الإنسان بعظمة خلق الله زاد إيمانه وخشيته لله. يقول الله تعالى:
“إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” (فاطر: 28)، ما يعني أن العلماء هم الأكثر تقوى لأنهم الأكثر دراية بعظمة الخالق.

ن 200

3. نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم للتعلم والتعليم

كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول معلم للأمة الإسلامية. استخدم النبي أساليب تربوية متعددة لنقل المعرفة وتعليم أصحابه. لم يكن تعليمه مجرد إلقاء دروس، بل كان يحرص على أن يكون قدوة عملية في كل ما يعلمه. كان النبي يعلم الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ويستخدم القصص والأمثلة لشرح المفاهيم المعقدة.

على سبيل المثال، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أصحابه في المسجد للتعليم والمناقشة. يقول الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:
“كان النبي إذا حدثنا كنا نستمع إليه بقلوبنا قبل آذاننا”، مما يدل على الطريقة المؤثرة التي كان الرسول يستخدمها في نشر العلم.

4. التعليم كمسؤولية جماعية

التعليم في الإسلام ليس مسؤولية فردية فحسب، بل هو واجب جماعي على الأمة. فالأسرة، والمدرسة، والمجتمع جميعها مسؤولة عن بناء الأجيال على العلم والتربية الصالحة. يجب أن يسهم كل فرد في عملية التعليم، سواء كان ذلك عن طريق التعليم المباشر أو عن طريق توفير بيئة مشجعة للعلم والتعلم.

كما يشجع الإسلام على طلب العلم مدى الحياة. ليس هناك حد زمني للتعلم في الإسلام، حيث يمكن للفرد أن يواصل التعلم وتطوير نفسه في مختلف مراحل الحياة.

5. الخلاصة

إن فلسفة التعليم في الإسلام تقوم على مفهوم متكامل يربط بين العلم والدين، العقل والروح، والفرد والمجتمع. التعليم ليس فقط لنقل المعرفة، بل هو وسيلة لبناء إنسان متوازن قادر على تحقيق ذاته وخدمة مجتمعه. الرسول صلى الله عليه وسلم كان مثالًا للمعلم المثالي الذي جمع بين العلم والأخلاق، وبين التعليم النظري والتطبيق العملي. هذا النهج الإسلامي للتعليم يمكن أن يكون أساسًا قويًا لإصلاح التعليم في العالم المعاصر.

زر الذهاب إلى الأعلى