اخبار عاجلةالمرأة والطفلكتاب و مقالات

ربوا أولادكم صح 

غالبا أنا أشتري الخضروات من النساء , وذلك لأني في داخلي شئ يقول أن مثل تلك النساء اللواتي تخرج صباحا باكرا وتجلس في حر الصيف اللافح , وبرد الشتاء القارس لا يخرجها من منزلها إلا الشديد القوي , كما هو المثل .
وفي إعتقادي أيضا أن لو كل واحدة من هؤلاء النساء وجدت من ينفق عليها وعلي أولادها لفضلت أن تستريح بالمنزل , فلا شئ يعادل أن تجلس مرتاحة خاصة النساء اللواتي تعملن في الأعمال الشاقة أو التي تتطلب الجلوس بالطريق بلا خصوصية لهن .
وأنني أعتبر شرائي منهن هو نوع من أنواع المساعدة الغير معلن والمؤازرة بالرغم من تعرضي أحيانا لشراء ما هو أقل جودة , ولا يعادل ما يباع في محلات الخضار والفاكهه .
ولكن تلك السيدة التي أقصدها اليوم بالحديث إنسانة كريمة وحسنة التعامل وهي ما ينطبق عليها الحديث الشريف ( رحم الله إمرئ سمحا إذا باع وسمحا إذا أشتري وسمحا إذا أقتضي ) .
ومنذ شهر تقريبا كنت أشتري بعض الخضر من تلك السيدة التي تجلس علي جانب الطريق دائما لتبيع الخضروات وبجوارها أخريات . فسألتها جارة لها تبيع بنفس المكان بجوارها الجبن والبيض عن أبنتها وعن موعد زفافها .
فقامت السيدة التي أشتري منها بسيل من الدعوات السيئة علي أبنتها , ومن تلك الدعوات الموت والمرض العضال , فغضبت جدا وقلت لها حرام عليكي ربما يكون باب السماء مفتوح , والرسول صلي الله عليه وسلم نهانا أن ندعو علي أولادنا , وتدخل رجل يشتري أيضال وقال لها مثلما قلت وأضفت لها ( لا تدعو علي أموالكم ولا علي أولادكم – صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم .
فردت هي أنها بنت متعبة ولا تسمع الكلام , كلفتني مبالغ كبيرة ومش قانعة , وأكملت تصوري صممت أجيب لها غسالة أتوماتيك وغسالة نصف أتوماتيك وغسالة أطفال . ده غير خلتني أشتري لها خممسين باشكير وخمسين طقم ملاية سرير . غير الحلل والثلاجة وطقم الصيني والتيفال . فقاطعتها
ليه كل ده ؟ ده حرام . ليه تسمعي كلامها , هي تقول اللي تقوله أنتي مش لازم تجيبي .
فأكملت ورطتني في الديون وكل ما أقول كفاية تقول لو كان أبويا عايش كان جاب لي كل حاجه وتبكي وتتخانق
قلت لها سيبيها تبكي , ليه تسمعي الكلام مالها بكل الغسالات دي , ومالها بخمسين طقم ملاية سرير ,. ده لو عندها نصف دستة محتاجه عشر سنين علشان يدوبوا .
قالت لي أنتي مش عارفه أحنا عندنا في القرية العربيات بتروح تودي حاجه العروسة ولازم يكون زينا زي الناس بتروح علي الأقل خمس عربيات مليانيين .
قلت لها أدعي لها بالهداية أحسن ما تدعي عليها , لأن لو أصابها مكروه أنت هتندمي .وهدديها بعدم إكمال الزواج لو إستمرت .
وتركتها وأنا أفكر كيف هذه المسكينة التي عمرها كله بالشارع حتي وهي مريضة لا تغيب , ترتدي عباية ما لها لون أكل عليها الزمن وشرب , فما بقي من لونها الأسود إلا الغبار أن تأتي بكل ذلك المال . سيدة عندما تراها تشفق عليها , وللاسف لا تشفق عليها أبنتها .
وتذكرت مرة أخري سابقة علي تلك كنت أجلس في تجمع نسائي مصادفة , وتطرق الحديث للأدوات المنزلية بمناسبة مرور أحد الباعة وعرض مالديه من أدوات مطبخ , فقالت إحدي السيدات تقريبا نفس الكلام , ولكن هذه ظروفها أفضل لأنها موظفة , ولكن نفس الطلبات أنها تجهز بنتها بحوالي ستين ملائة سرير وأطقم صيني وأركوبال واستانلس وتيفال ومن كل نوع طاقمين . وقلت لها مستحيل بنتك ستستخدم كل تلك الأواني حتي لو كانت تعزم أناس كل يوم . فأجابت الدنيا إتغيرت وحاليا بيتم فرش غرفة نوم للأطفال قبل قدومهم وأيضا تجهيز ما سوف يتم إرتداؤه مستقبلا للأطفال .
وتذكرت إنسانة أعرفها أيضا ورطت أسرتها في ديون لا حصر لها من أجل أن تشتري أشياء لا لزوم لها في جهازها , وعندما تحدثت معها أن البركة في القليل وأن الإنسان يشتري ما يحتاجه ولو فيه زيادة تكون طفيفة . فكان ردها أن أخوة زوجها الذكور زوجاتهم أحضرت كذا وكذا ولن تكون هي أقل منهم .
عندئذ عرفت سبب ما نحن فيه و عندما أري كم الطلاق الذي يحدث حاليا , أعرف أن السبب هم الأهل . لم يحملوا أولادهم المسئولية . ولم يعرفوهم ما هو الزواج وتكوين أسرة .
لم يزرعوا في قلوبهم الرحمة , فأغلب البنات تتزوج قبل الأبناء وغالبا من يتزوج الأول يعصر والديه عصرا فلا يترك لأخوته شيئا , وربما بعض الأبناء الباقين لم يكمل حتي تعليمه .
وربما بعض الأسر تكون الأم بمفردها هي التي تربي وهي التي تنفق وهي التي تعمل فوق طاقتها من أجل أولادها .
أنا عن نفسي أسمي تلك التصرفات وذلك السلوك قلة أدب ,نعم لم يقم من يربي بزرع المبادئ الصحيحة ولا الأخلاق القويمة لأن الأبن أو البنت الذي لا يشعر بجهد والديه ولا يرحمهما أبن قليل الأدب , قصر والديه في تربيته تقصيرا كبيرا .
والغريب العجيب أن مثل هؤلاء الناس الذين يبذرون تبزيرا عظيما في الإنفاق فيما لا لزوم له تجدهم يصرخون من إرتفاع سعر البطاطس وإرتفاع فاتورة الكهرباء ويشتكون دوما من ضيق المعيشة والتي هم ضيقوها علي أنفسهم .
لابد أن يعرف الأولاد أنه ليس في إستطاعة الأهل تحقيق كل الرغبات بالرغم من تمنيهم فعل ذلك , ولكن هناك شئ أسمه الدخل الذي ينبغي أن يعيش كل شخص علي قدره
ربوا أولادكم صح ليس من أجلكم ولا من أجلهم فحسب , ولكن لأن الله سيسألكم عنهم وماذا زرعتم فيهم من خلق وقناعة ورحمة .علموهم أن لكل إنسان طاقة وقدرة علي الشراء ,وأن البركة هي بالقناعة .
بقلم / كواعب أحمد البراهمي

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى