اخبار عاجلة

الدكتور الإعلامي محمد سعيد يفتح قلبه لبرنامج “إحنا معاك”

عبور النفق المظلم.. وخبايا صفقة رأس الحكمة

كتبت: شاهيناز مقار

قال الدكتور الإعلامي محمد سعيد، رئيس مجلس إدارة جمعية مصر السلام للخدمات والتنمية، خلال برنامج “إحنامعاك” عبر موجات إذاعة القاهرة الكبري، أن شركة أبوظبي القابضة ADQ الحكومية بالإمارات، أعلنت منذ أيام عن الاستحواذ على حقوق تطوير مشروع «رأس الحكمة» مقابل 24 مليار دولار، وأكدت مشاركة الحكومة المصرية في التأسيس بحصة قدرها 35% من المشروع، وتوقعت الشركة استقطاب استثمارات تتجاوز 150 مليار دولار، وأن يتم بدء العمل فيه أوائل عام 2025.. تعمدت البدء بالبيان الإماراتي للرد على المشككين في الصفقة، التى اعتبرها رئيس الحكومة «أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر، وتتم في إطار قوانين الاستثمار المصرية»، وقد استخدم وصف «تطوير واستثمار» ولم يقل «امتلاك»، علما بأن أرض «رأس الحكمة» تخضع للقرار الجمهوري رقم 361 لسنة 2020، الذي أعاد تخصيصها لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والقرار لا يسمح ببيعها.

المشروع إذن «شراكة استثمارية، وليس بيع أصول»، تتولى تطويره شركة «رأس الحكمة» المصرية الإماراتية، التي يتم تأسيسها بمصر وتمثلنا فيها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، شراكة مصر في المشروع بنسبة من الأرض، وكذا برأس مال قدره «11 مليار دولار» يمثل قيمة وديعة الإمارات في البنك المركزي، التي تنازلت عنها لمصر كجزء من مقدم التعاقد «35 مليار دولار»، ولكن مصر شاركت بها في مقدم التأسيس على أن تحتفظ بالقيمة الدولارية وتسددها بالجنيه المصري بأسعار السوق لاستخدامات الشركة الإماراتية في البلاد، ويعنى ذلك حصول مصر بصورة مستدامة على نسبة 35% من إجمالي أرباح المشروع السنوية، إضافة الى أن ربط مسار القطار السريع بمشروعات الساحل الشمالي حتى العلمين، ييسر خروج السائحين بوسيلة نقل فاخرة، للاطلاع على المزارات السياحية المختلفة، حيث تستفيد مصر بـ 100% من إنفاق السائح.

كواليس الاتفاق مثيرة، لعب فيها «طلعت مصطفى» بمجموعته القابضة TMG الدور الرئيسي، فقد وقعت شركة «أيكون ICON» الذراع الفندقي لمجموعته اتفاقيات استحواذ في ديسمبر 2023، على حصة 39% من شركة «ليجاسي للفنادق»، التي تضم محفظتها 7 فنادق «أولد كتراكت أسوان، منتجع موفنبيك أسوان، فندقي سوفيتيل ليجند ووينتر بالاس الأقصر، فندقي شتيجنبرجر التحرير وسيسيل الإسكندرية، فندقي ماريوت مينا هاوس وعمر الخيام الزمالك».. وتمهيدا للفصل التالي من السيناريو، اعطت الاتفاقيات للشركة حق زيادة حصتها الى 51% وامتلاك حقوق الإدارة كاملة مقابل مبلغ إجمالي 800 مليون دولار، وبذلك اصبحت محفظة الشركة تضم 15 فندقًا من الفنادق الفاخرة والتاريخية في القاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ ومرسى علم والأقصر وأسوان بينها 4 فنادق بإدارة عالمية، طاقتها الإجمالية 5 آلاف غرفة فندقية.

بعد أقل من شهر من توقيع الصفقة، استحوذ الصندوق السيادي الإماراتي على حصة 40.5 % من شركة «أيكون ICON»، بقيمة 882.5 مليون دولار، في صفقة هي الأضخم بقطاع السياحة.. وفي تلك الأثناء نجح طلعت مصطفى في هندسة صفقة «راس الحكمة»، مما يفسر مشاركته رئيس الوزراء في لقاء حاكم الإمارات لوضع البصمة النهائية على الاتفاق، وبذلك حقق مصالحه ومصالحته مع الامارات.

صفقة «رأس الحكمة» سياسية بامتياز، سألني البعض عن موقفي منها، وقد سبق لي مهاجمة سياسة الإمارات الإقليمية مرارا، فأكدت دعمي لها، وترحيبي بصفقات خليجية مماثلة تلوح في الأفق، وأشرت إلى أن مصر والإمارات أسسا منصة استثمارية استراتيجية مشتركة عام 2019، تعهدت أبو ظبي أن تضخ من خلالها 20 مليار دولار، لكنها لم تحقّق نفس نجاح التجارب الخليجية الأخرى، مثل الشركة القابضة المصرية الكويتية، وذلك نتيجة توجه إماراتي أعطى أولوية لمشاريع تعاون إقليمي انبثقت عن الاتفاق الإبراهيمي، بعضها يمس بمصالح الأمن القومي المصري، خاصة ما يتعلق بالمشروعات البديلة لقناة السويس، ومياه النيل، واستقرار السودان، وأمن البحر الأحمر.

المناخ السياسي إذن لم يكن ينبئ بإمكانية ضخ أبوظبي استثمارات ضخمة في مصر، خاصة في مجال السياحة، وذلك لسببين: أولهما أن شركة أبوظبي القابضة ADQ ثالث أكبر صندوق ثروة سيادية في الامارات، مملوك لإمارة أبوظبي، ويحتل المركز السادس ضمن أكبر عشرة صناديق ثروة سيادية عربية عام 2022، ما يعني ان قراراته الاستثمارية سياسية بالدرجة الأولى، ثانيهما أن الإمارات نفسها في حاجة لاستثمارات في قطاع السياحة، وخطتها حتى عام 2031 تستهدف جذب استثمارات جديدة تتجاوز 27 مليار دولار، لذلك فإن صفقة «راس الحكمة» تعكس تغيرا فى توجهات الدولة، فما أسبابه؟!

الحقيقة أن هناك عدة عوامل تكمن وراء التوجهات الجديدة لدولة الامارات نحاول رصدها فيما يلي:

1. أن الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، خاصة الحرب في باب المندب والبحر الأحمر، مرشحة للامتداد زمنيا، والتمدد جغرافيا لمضيق هرمز والخليج، مما يهدد بإجهاض مسيرة السياحة التي تقترب مساهمتها في الناتج المحلي للإمارات من 12% بعائدات 53 مليار دولار تمثل 25% من إجمالي الصادرات، وكان المستهدف زيادتها إلى 17% من الناتج المحلى بعائدات 123 مليار دولار بحلول عام 2031.. تعرض خطة التنمية السياحية للإجهاض فرض توجه الدولة نحو فرص استثمارية بعيدة عن المناطق المهددة بالحرب.

2. اختيار الامارات للساحل الشمالي الغربي من مصر يرجع الى ما حققته المنطقة من تطور فاق التوقعات، وما تحققه من عائدات استثمارية تفوق نظيرتها داخل الامارات.

3. قلق الإمارات من أن نمو السياحة السعودية يهدد باجتذاب نصيب الأسد من حركة السياحية الدولية الوافدة للمنطقة، خاصة أن استثمار المملكة في قطاعها السياحي أكثر من 800 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة، يتجاوز قدرة الامارات على النمو بالنظر الى موقع ومساحة الدولة، ما دفعها للمنافسة استنادا لمقاصد مصرية قادرة على اجتذاب حصة ضخمة من حركة السياحة الأوروبية.

4. وطالما سلمنا بأن قرارات استثمار الصناديق السيادية هي قرارات سياسية بامتياز، فإن العنصر الحاسم في قرار الامارات ونظرائه الخليجيين، هي الضغوط السياسية الدولية لدفعهم لشراكة تنموية مع مصر، التي لا يقبل الغرب سقوطها نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي داهمتها.

5. اشتعال التنافس المتزامن فجأة بدخول السعودية وقطر على خط مشاريع الاستثمار في مصر، يؤكد نجاح الضغوط الدولية، على نحو يبشر بأن المشروع القومي لتنمية الساحل الشمالي الغربي لعام 2052، سيقطع خطوات متسارعة على طريق التنفيذ خلال الفترة المقبلة.

6. غير أنه ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن إجمالي أصول شركة أبوظبي القابضة ADQ تبلغ 157 مليار دولار أمريكي، في حين تبلغ إجمالي استثمارات «رأس الحكمة» 150 مليار دولار، مما يؤكد دخول كيانات استثمارية دولية من خلالها، قد تبدى اهتماما بالأهداف الإستراتيجية بالمشروع كالمطار والميناء، ومناطق الاستثمار المفتوحة.. والمؤكد أن مصر وهي على أعتاب استقبال استثمارات دولية ضخمة، لا ينبغي لها التوقف طويلا أمام كيانات المستثمرين بقدر اهتمامها بملاءتهم المالية، وقدراتهم الفنية، والقوانين والضوابط التي تحكم عملية الاستثمار، وعلى أجهزة الأمن والتأمين أن تعمل شئونها.

7. وكي أطمئن القارئ، فالإمارات باستثماراتها تبحث عن النفوذ، لكن الحقيقة أن الاستثمارات تمنح الدولة التي تتم على أرضها مزيدا من قدرة التأثير على الدولة المستثمرة، يفوق ما يمنحه من نفوذ للمستثمر، وربما كان ذلك مدعاة للتوصل الى قدر من التوافق بين الدولتين في تحركاتهما الخارجية.

تحذير «تيموثي كالداس» المحلل الاقتصادي بمعهد التحرير «الأمريكي» لسياسة الشرق الأوسط من أن شراء وتشييد الأجانب للفنادق المصرية سيؤدي لمزيد من الضغط على العملات الأجنبية، نظرا لأن هذه الفنادق هي التي تجلب العملات، وسوف تتدفق بعد بيعها للشركاء الأجانب الذين سيحولونها للخارج، والحقيقة أننا لابد أن نسلم بأن إمكانات مصر الذاتية في المدى المنظور، لا تسمح بتشييد مشاريع عملاقة قادرة على جلب الحصة المستحقة لمصر من حركة السياحة الدولية، وبالتالي لابديل للاستثمارات الدولية، طالما كانت بالمشاركة والحصول على نسبة مجزية من عائداتها.

التنمية المتكاملة للساحل الشمالي الغربي ضمن مخطط مصر للتنمية العمرانية 2052، تستهدف إنشاء عدد من المدن الجديدة المستدامة والذكية من الجيل الرابع، الدولة بدأت بالفعل خطوات تشييد وتنمية «العلمين» بصورة متسارعة، و«رأس الحكمة» ستوضع على خريطة السياحة العالمية خلال 5 سنوات كأحد أرقى المقاصد السياحية فى البحر المتوسط والعالم، وفرص الاستثمار سيتم طرحها لتشييد باقي المدن الجديدة «النجيلة، وجرجوب»، إضافة لتطوير المدن القائمة «مرسى مطروح والسلوم».. وبمثل هذه النوعية من المشروعات العالمية يمكن تحقيق حلم مصر في اجتذاب 40 أو 50 مليون سائح.

توقيع مصر صفقة «رأس الحكمة» أحدث انقلابا في أوضاع السوق، الدولار والذهب كمخازن للقيمة انهارت أسعارهما، وانخفض الطلب عليهما، ما يبشر بإمكانية حل أزمة السيولة الدولارية، وتحقيق الاستقرار النقدي، وكبح جماح التضخم، السندات السيادية المصرية المقومة بالدولار وصلت لأعلى مستوى منذ عام، والأوفر هيد في مبيعات السيارات تراجع بشدة والدولة تتجه نحو طرح المناطق الصناعية بالمثلث الذهبي «المحصور بين القصير وسفاجا وقنا» على مطور استراتيجي يتولى تقسيمها وتنميتها لوحدات إنتاجية مختلفة قبل تسويقها بالداخل والخارج، والتوجه الأخير يكاد يكون هو الطريق الوحيد لسد فجوة احتياجاتنا من العملات الصعبة عن طريق تغطية احتياجات السوق المحلى وتصدير فائض المنتجات الصناعية للخارج.

لكن نجاح مصر في عبور الأزمة الراهنة يتوقف على تنحية المجموعة الاقتصادية، لأن عائدات الصفقة وهى «24 مليار دولار» لن تصنع المعجزات، في ظل عجز تجارى قرابة 30 مليار دولار، وأعباء خدمة دين حوالي 42 مليار دولار خلال عام 2024، فقد عجزت المجموعة عن طرح مشاريع خطة التنمية للمشاركة الدولية، أو حتى اختيار نشاط تتمتع فيه مصر بميزة نسبية وتحوله لبراند مطلوب على المستوى الدولي.. الأزمة المالية والاقتصادية التي صنعتها المجموعة باقتراض أغفل قصور مصادر السداد، ولولا ظروف الاقليم والضغوط الدولية ومشورة صندوق النقد الدولي، لما وضعنا أقدامنا على بداية طفرة تنموية، ربما حققت التقدم والرخاء لشعبنا، استنادا للسياحة كقاطرة للتنمية بحكم خصائص شواطئنا ومناخنا المتميز ومزاراتنا الأثرية الفريدة، وفى هذه الحالة سنكون بحاجة ماسة لتربية وتعليم وإعلام مختلف، لإعداد المجتمع ليكون حاضنا للسياحة الدولية، بدلا من المناخ المنفر الطارد السائد حاليا.. ولنبدأ الآن.

وطالما اعتمدت مصر على السياحة كقاطرة تنمية فعليها مراعاة أمن وسيادة المنافذ البرية والبحرية والجوية؛ وزير الطيران أعلن أن الدولة ستطرح مناقصات عالمية لإدارة وتشغيل المطارات بما فيها مطار القاهرة، متجاهلا حقيقة أن السياحة صناعة «هشة»، تنهار إثر عملية إرهابية واحدة ينفذها متسلل عبر المنافذ، والمنافسون من شركاء الإقليم كثر، ويهمهم ضرب السياحة المصرية، مما يفرض التمسك بأن تكون الإدارة مشتركة، نتقاسم فيها إدارة المطارات مع الشركة الدولية، بحيث تتولى شركة أمن وطنية الجوانب المتعلقة بالتأمين تحت إشراف الشركة الدولية المنية وحدها بكل ما يتعلق بشئون الإدارة ذلك هو الطريق الوحيد لعبور النفق المظلم والموازنة بين اعتبارات الأمن وكفاءة الإدارة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى