كتاب و مقالات

أصعب الذنوب 

بقلم / كواعب أحمد البراهمي

فرض الله الحج مرة واحدة في العمر علي القادر المقتدر الذي يملك الصحة والمال . ورسول الله صلي الله عليه وسلم كان لنا قدوة في ذلك . فقد كان بإمكانه أن يذهب أكثر من مرة , ولكنه ما أراد المشقة علي المسلمين في إقتداء سنته .
وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم على لسان نبيه ابراهيم . الذي ترك ابنه وزوجته في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ربنا إني اسكنت من ذريتي بواد .غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل افئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون – صدق الله العظيم
وفي نفس كل مسلم شوق لزيارة بيت الله الحرام , ليس لأنه الركن الخامس من أركان الإسلام فقط , و فرض علي كل مسلم مقتدر . ولكن لأنه يعلم ويشعر بمدي عظمة وقدسية ذلك البيت , ولذلك يحج الناس ويعتمرون مرات ومرات ومرات ,.
عندما دعا سيدنا إبراهيم ربه , لم يقل يارب أرزقهم , أو يارب أحفظهم , أو أي دعاء كان بل كان دعاءه فأجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم .
وقد إستجاب الله له , كما أنجاه من النار وهذا ما يحدث حتي يوم القيامة تهفو القلوب لزيارة البيت الحرام , يذهب البعض لأداء الفريضة لانها ركن من اركان الإسلام فيقع في هوي البيت الحرام , ويظل يذهب ويذهب ويذهب , ويعشق البيت الحرام , ويعشق الذهاب إلي هناك , ويدخر الأموال ليذهب , حتي بعد أداء الفريضة .
فالبعض يذهب لأن الحج ركن الإسلام الخامس والذي لا يتم الإسلام إلا به , حيث أن الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضام , وحج البيت لمن أستطاع إليه سبيلا . فمن إستطاع لابد له أن يكمل أركان إسلامه ويحج إلي بيت الله , ومن إستطاع ولم يذهب فقد كفر , ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ,.قال تعالي ( ولله علي الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) .
يقول البعض هي دعوة وهو قدر مكتوب , وأقول لهم إعقد العزم عند توافر المال , فإن ذهبت فبها ونعمت وإن تعرقل الذهاب لسبب ليس منك ولا يد لك فيه , فقد كتب الله لك حجة كاملة , فالله أعلم بالنوايا .
فقط عليك النية الصادقة عندما يتوافر معك المال الذي تستطيع به الذهاب , فهو قبل السيارة وقبل بناء العمارة وقبل الذهاب للسياحة , فهو الفريضة الخامسة وحتي قبل التفكير في الذهاب لأداء عمرة . لكن من ليس لديه غير مال يكفي لذهاب العمرة فليعتمر ويمن الله عليه بالحج بعد ذلك.
وحقيقة إن الحج من أعظم الأركان بعد الشهادة , وذلك لأنه الركن الذي يجمع كل المسلمين من كل بقاع الكرة الأرضية , فيكون الكل سواء لا فرق ابدا بين أحد وأحد . ولا يظهر ما يفرق بينهم أو يدل علي قدرهم فالكل سواء .
أما ما أريد قوله علي مسئوليتي الشخصية فإنه لابد أن يفكر الإنسان في الحج عندما يتوفر له المال الزائد عن طعامه ومسكنه البسيط العادي – غير قابل للتأجيل فلا يجب أن نقول بعد أن ننتقل من شقة صغيرة إلي أكبر ولا من شقة إلي فيلا , ولا من بعد تغيير السيارة لماركة أحدث , ولا حتي بعد تزويج الأولاد .
لأن الفريضة هي الركن الخامس من أركان الإسلام ولا يكمل الإسلام إلا بها عند توافر المقدرة لدي الشخص ..
ولكن لا يجب أيضا أن نكررها كل عام للمقتدرين , فإنما هي مرة واحدة في العمر .
فلا يجوز للشخص أن يذهب مرتين وثلاث من أجل الحصول علي رضي الله عز وجل والحصول علي المغفرة علي جبل عرفات . إن الله يغفر للعبد أينما كان عندما تصدق توبته .
فيجب أن نبحث عن المحتاجين والذين يريدون الطعام والشراب والكساء , أو الذين ليس لديهم مال للإنفاق علي تعليم أولادهم , أو الذين لا يستطيعون الزواج فنوفر لهم الإحتياجات الأساسية وليست الرفاهية لمسكنهم أو نجعل المال في مجال لزيادة فرص عمل للعاطلين كمشروع مثلا – ولكن أن يكون مدروس جيدا .
يجب أن نقدم المال للمسلمين في أي دولة بالعالم تعاني الفقر والمجاعة . أو حتي غير المسلمين الذين لا يجدون قوت يومهم .
أنني أعتقد أن تلك المساندة والمساعدة هي أهم وأفضل من الحج للمرة الثانية والثالثة وعدد من المرات .
وأصعب الذنوب هي التي لا يغفرها الله لك لأنها تتعلق بآخرين . إن الله يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به . ولكنه لا يغفر لك أخذ مال أحد ولا إنتهاك حرمه بيته ولا سفك دمه .
لا يغفر الله لمن إستحل مال الناس بسبب وظيفته فأستنفع لنفسه , أوحجب منفعة لمن يستحق . لن يغفر الله لمن إستباح زوجه غيره , ولا من نسبت أبن لغير أبيه . لن يغفر الله لمن أشعل نار الفتنة وتسبب في مقتل شخص أو أشخاص . لن يغفر الله لمن يكسر القلوب فيوعد هذه وتلك وهو في قراره نفسه غير صادق ولا ينوي الإلتزام وإنما يتسلي مضيعة للوقت . لن يغفر الله لمن تستغل عواطف شخص من أجل الحصول علي المال أو الهدايا أو وضعه في سلة الإحتياطي فإن أتي من هو أفضل تتركه .
لن يغفر الله لمن تسبب في ضرر بحكم عمله . لن يغفر الله لمن يظلم غيره بأي نوع من أنواع الظلم , ويتساوي الظلم المادي أو الظلم النفسي وهو ما يطلق عليه كسر الخاطر .
لن يغفر الله لك أي ذنب يتعلق بعبد من عباده إلا إذا غفر لك صاحب الذنب . فلا تشغل نفسك كثيرا بالدعاء حاول أن تصلح ما أفسدت , وأنت أسوأ حظا لو كان من ظلمت رحل قبلك إلي الله أو مجموعة من الإشخاص لا تستطيع الوصول إليهم كما في سرقة المال العام . سوف يلتقي يوم القيامة ذوي الخصومة فأسأل الله ألا أكون من المختصم فيهم أمام الله .
وختاما اللهم أرزق كل مسلم القدرة والإستطاعة لزيارتك بيتك الحرام لتلبية ندائك والحصول علي رضاك .اللهم أرزقهم الوقوف علي جبل عرفات لتتجلي عليهم رحمتك وقدرتك وعظمتك – حيث يتساوى العبد والسيد . يتساوى الفقير والغني . يتساوى الصحيح والعليل . يتساوى الطبيب والمريض . يتساوى الأمير والفقير .يتساوى المعلم والجاهل .يتساوى الخادم والمخدوم . يتساوى الرجل والمرأة والطفل . و تجتمع كل اللغات وكل اللهجات .لتنطق بوحدانيتك ولاتوجد فروق أبدا ولا فواصل أبدا ولا حدود أبدا.
يتساوى الكل . فلا فضل لأحد على حد . ولا لون على لون ولا لغة على لغة فيجمعنا كلام واحد كلامك انت وقرآنك انت , وحب نبيك انت .
ففي رحابك انت فقط, و.في أول بيت وضعت للناس . وفي اطهر بقاع الأرض . لا يطلب سوى رضاك . ولا يرغب في غير مغفرتك ولا في دعوة سوى أن تدخلنا الجنة وتباعد بيننا وبين النار .
في رحابك وفي بيتك وفي ظل رحمتك . يرجو الكل رضاك ,اللهم إرزقنا رضاك والجنة . فتسامحوا وأذهبوا بنفس صافية يغفر الله لنا ولكم .
وكل عام وأنتم بخير في كل بقاع الأرض

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى