أدب

خواطر

بقلم: طارق حنفي 

(ونفس وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: ١٠،٩،٨،

خلق الله النفس البشرية ووضع فيها أسس الحكم على الأمور خيرا كانت أم شرا؛ حتى يعرف الإنسان الخير فيتبعه والشر فيجتنبه.. 

فالنفس البشرية مفطورة على معرفة الخير من الشر، والدليل على ذلك قول سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- (الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)، ومن القرآن الكريم ( بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).  

وبث -سبحانه- في فطرة الإنسان المشاعر التي يستدل بها على التقوى والفلاح كالثبات والسرور والرضا والطمأنينة وعدم الجزع والخوف أو الحزن، وذلك عند طاعته والتقرب منه سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون).. 

وتزكية النفس تكون بالطهارة والنماء، بالتخلية والتحلية، تكون بتطهيرها من الأمراض والأخلاق الرذيلة ثم ملئها بالأخلاق الفاضلة، تكون بمعرفة الله الواحد الأحد وعبادته وذكره والاستقامة على أمره وطاعته والبعد عن معصيته، تكون بتنقية النفس والقلب من الآثام والأحقاد، ثم ملئها بحب الخير ومعرفة الله وطاعته.. 

ومن ثم تكون النتيجة الفلاح، النجاح ليس فقط في 

الدنيا ولكن أيضا في الآخرة، يكون بتحقيق الهدف الذي خلقت النفس من أجله النفس..  

ومن أهم سبل تزكية النفس الصلاة ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ) ،(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)..

وعلى النقيض من ذلك، فعندما يبتعد الإنسان عن طريق الله وطاعته يدنس نفسه، فمع الانحراف عن الطريق وكثرة المعاصي يغشى القلب الران والحجب، ويصير الإنسان بعيدا عن الله؛ فيصيبه الضنك والغم.. 

ويوم القيامة تكون الخيبة والحسرة والندم من نصيبه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ).. 

ويكون كلامه يوم القيامة ملأه الحسرة والندم (يَقُولُ يَا 

لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي). 

النفس دليل النجاح والفلاح أو الخيبة والندامة. 

يا ليتنا كما نهتم بمظهرنا وهيأتنا في عيون بعضنا البعض وبتطهر أجسادنا ولباسنا من الأوساخ والنجاسة والدنس، أن نهتم بأنفسنا وكيف تبدو في نظر وعلم الله، فنطهرها ونزكيها.. 

فمن يزكي نفسه بالعبادات والذكر والبعد عن المعاصي 

وتطهير القلب من الكره والحسد يقترب من الفطرة السليمة؛ فيرى بعين تلك الفطرة السليمة جلال الله وبديع صنعه في خلقه ويشعر بعظمته سبحانه، وتنسجم له الأشياء ظاهره وباطنه.. 

وأما من يدنس نفسه بكثرة المعاصي تتكون على قلبه ونفسه الحجب والحواجز فلا يرى ولا يشعر بعظمة  

الله ويبعد عن الاستواء ويميل؛ فيضل الطريق ويصبح كمن يتخطفه الطير ويعيش في حيرة وأسف.

من رحمة الله ومنته على العالمين أن بعث محمدا يهدينا به إليه، يعلمنا كيف نزكى أنفسنا في السر والعلن، يعلمنا كيف نؤدي العبادات، يرينا كيف نطهر الباطن والظاهر، 

يعلمنا القرآن ويرينا بعض حكم الله السارية في الأشياء.. 

فمن اتبع طريقه وانتهج نهجه فلح (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ).. 

ولما لا! فقد أعان الله الحبيب وكسر له قيود نفسه، أعانه 

على قرينه فأسلم، وشق صدره وغسل قلبه؛ فكانت فطرته سليمة وبقيت، كان نور يرى بنور الله من نور الله، يرى الحقائق ويشعر بها ويفهمها دون تشويش أو ضوضاء من النفس على القلب والعقل، فكان سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الجامع للمراد من رب العباد، الفاهم للقصد والحكمة، هو من رسم الطريق وكان الدليل، كان النور الذي نرى ونفهم به الكتاب المبين.. 

-صلى الله عليه وسلم- من أرانا طريق طهارة وتزكية النفس، وهو من هو في مكانته عند الله وفضله على باقي الخلق ظل مجاهدا لنفسه يلزمها طاعة الله، فهو العبد المطيع الشاكر لأنعم الله الذاكر له آناء الليل وأطراف النهار، الساعي لرضاه سبحانه.. 

هو من كان دعائه منهجا باقيا لنا (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا). 

اللهم آمين وصل وسلم وبارك على الأمين المبعوث من 

الله رحمة للعالمين . من رسم لنا الطريق وكان نوره قمرا 

وشمسا ودليل، اللهم انصر به الأمة واكشف يا الله به عنا الغمة. 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى