اخبار عاجلةالوطن العربي

لبنان والحزام الاقتصادي لطريق الحرير

كتبت : د/ تمارا برو – لبنان .

يستحضر اسم طريق الحرير صورة رومانسية ــ نصفها تاريخي ونصفها الآخر اسطوري ــ لقوافل الجمال التي سلكت طريقاً متعرجاً عبر صحاري وجبال غير مطروقة في آسيا الوسطى.

وطريق الحرير ليس مجرد جزء من ماض اسطوري ، بل هو سمة مهمة من سمات السياسة الخارجية الصينية الحالية . ففي العام 2013 أطلق الرئيس الصيني (شي جين بينغ) مبادرة لاحياء طريق الحرير القديمة،

وهي مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحرية للقرن الحادي والعشرين. وباتت هذه المبادرة تشكل المحرك الأساسي للسياسة الصينية داخلياً وللدبلوماسية خارجياً،

وللتوجّه الاقتصادي لبلدان جن وبيشرق أسيا وغربها والشرق الأوسط وأفريقيا،فتعقد من أجلها المؤتمرات والندوات وتفرد لها وسائل الاعلام الصينية والعالمية ، صفحات طويلة من التقارير والتحليلات.

وتهدف مبادرة الرئيس الصيني إلى إحياء طريق الحرير البحري(الحزام) والبري( الطريق) اللذين كانا يربطان الصين بمختلف دول العالم ويتم من خلالهما تبادل السلع والمنتجات كالحرير والعطور والأحجار الكريمة وغيرها بالاضافة إلى تبادل الثقافات والعلوم.

وبين لبنان والصين علاقة منسوجة بالحرير منذ ما قبل التقويم الميلادي. ففي العام 115 ق. م. استقبلت الشواطىء اللبنانية الحرير الخام الآت من الصين لتُحاك خيطانه ويُصبغ قماشه ويرسل إلى أباطرة روما الذين كانوا يتباهون بارتداء الثياب الحريرية.

ونتج عن ازدهار تجارة الحرير في جبل لبنان توسيع مرفأ بيروت وزيادة الناتج المحلي وفرص العمل.

فما هي انعكاسات طريق الحرير الجديد على لبنان ؟ وهل سيستفيد من هذه المبادرة كما استفاد في ما مضى من اقتصاد الحرير؟

يشمل  طريق الحرير الجديد تشييدشبكاتمنالطرقوسككالحديدوأنابيبالنفطوالغازوخطوطالطاقةالكهربائيةوالانترنتومختلفالبنىالتحتية،وهو يمر بأكثر من ستين دولة في اسيا وافريقيا واوروبا.

وقد شرعت الصين إلى اتخاذ خطوات جادة لتفعيل مبادرة الحزام والطريق ولعل أبرزها اطلاق خطة العمل الخاصة بطريق الحرير، وتأسيس كيانات مالية ضخمة لدعمه أبرزها بنك التنمية الجديد لمجموعة البريكس،والبنك الآسيوي للاستثمار البالغ رآسماله 100 مليار دولار بمشاركة 58 دولة .

إن المبادرة الصينية تخدم المصلحة الصينية وتفيد العالم، لاسيما الدول الواقعة على خطوط الحزام والطريق. وهي لا تهدف إلى إحداث ثورة على النظام العالمي الحالي،

إنما إلى إجراء اصلاحات عليه. ولا تهدف الصين من وراء طريق الحرير إلى بسط نفوذها في آسيا واوروبا وافريقيا

فهي كانت وما تزال ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول وترفض العنف وتدعو دائماً إلى احلال السلام والآمان في مختلف دول العالم.

عرف الصينيون لبنان عن طريق الطبيب الأميركي اللبناني الأصل جورج حاتم الذي رافق مسيرة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ. ويعود أول اتفاق تجاري بين لبنان والصين إلى العام 1955، حيث كان لبنان من أوائل دول العالم في كسر الحواجز في الوقت الذي كانت فيه الصين تعاني مقاطعة اقتصادية دولية. أما العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فترجع إلى العام 1971. وحققت العلاقات اللبنانية الصينية تطوراً مستمراً على مدى السنين الماضية، وخاصة في السنوات الأخيرة ،

حيث تنامت الثقة المتبادلة، وتكثف التعاون الاقتصادي والتجاري والتواصل الشعبي والثقافي، والتعاون في الشؤون الدولية والاقليمية.

فالصين منفتحة على لبنان وتحرص على تطوير التعاون معه على جميع المستويات، ولاسيما على المستوى السياسي والاجتماعي وأيضاً الثقافي،

هذا ما صرّحت به وزيرة الثقافة الصينية لي شياو لين أثناء زيارتها لمصر عام 2016،

كما أن لبنان يساند الصين في قضاياها الدولية، فقد اعرب وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في محادثاته مع وانغ يي إن لبنان يؤيد الصين في قضية بحر الصين الجنوبي.

ومؤخرا أصدرت محكمة التحكيم الدائمةقرارأ حول هذه القضية جاء لغير صالح الصين هذا القرار الذي يخالف القانون الدولي وجاء نتيجة للضغوطات الأميركية فالولايات المتحدة تعرقل دائماً اي عمل تقوم به الصين وتريد بسط سيطرتها في آسيا.

لقد وقّع لبنان مع الصين العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات، وحالياً تتبوأ الصين المركز الأول بالنسبة للدول المصدرة إلى لبنان حيث استورد لبنان منها في العام 2015 حوالي مليار و 900 مليون دولار. اما صادرات لبنان إلى الصين فبلغت في العام 2015 حوالي 9 ملايين دولار.

ويستورد لبنان من الصين جميع السلع والمنتوجات من أدوات كهربائية وفرش المنازل والهواتف النقالة والثياب وغيرها. وتنشط في الآونة الأخيرة حركة التجار اللبنانيين إلى الصين

بحيث يقدر عدد التجار الذي يسافرون إلى الصين لشراء السلع والمنتوجات بأكثر من 11ألف تاجر .

يحتل لبنان موقعاً استراتيجياً في اطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير نظراً لكونه يشكل نقطة تقاطع الطرق البرية مع البحرية ما يفتح مجلات عدة للاقتصاد اللبناني، خصوصاً انه يتمتع بقطاع خدمات متطور ونظام مصرفي عالي الامكانات والكفاءة، مما يؤهله ليكون محوراً أساسياً لخطوط التجارة والاستثمارات المتبادلة، إلى جانب فرص تعزيز الصادرات اللبنانية من الصناعات الغذائية والدوائية وغيرها.

ومن ناحية ثانية ، فإن هناك فرصاً عديدة للصين بهدف تعزيز دورها في لبنان في مجال البنى التحتية، خصوصاً قطاعات الكهرباء والمياه والطاقة البديلة وشق الطرقات والجسور.

إن طريق الحرير سيجعل من لبنان شريكاً استراتيجياً مع أكبر دولة في العالم اقتصادياً بعد الولايات المتحدة الأميركية، هذه الشراكة التي قد تكون بداية الطريق للعديد من المشروعات وتضع لبنان كدولة فاعلة في الشرق الأوسط، اضافة إلى جعله دولة محورية في التجارة الدولية ومعبراً لمرور حركة البضائع من الصين إلى مختلف دول العالم. ونظراً لأهمية طريق الحرير بالنسبة إلى لبنان فقد عبّر رئيس الحكومة اللبنانية (تمام سلام)في أثناء انعقاد الدورة السادسة لمؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين عام 2015،إلى أن لبنان يتطلع للعب دور مركزي في المسار الاقتصادي لطريق الحرير، بسبب موقعه المميز كنقطة وصل مع العالم العربي والقارة الافريقية وكمركز محوري بين الغرب ودول المشرق. وأشار سلام ان لبنان يعتزم الانضمام كعضو فاعل إلى البنك الآسيوي للاستثمار.

وفي اطار تطبيق استراتيجية الحزام والطريق انطلقت مؤخراً فعاليات مشروع” بيروت إلى بيجينغ” بعنوان” حزام واحد طريق واحد: من لبنان إلى الصين” يشارك فيها رجال أعمال لبنانيون وطباخين وموسيقيين وعروض أزياء وغيرها.

لقد أثرت الأزمات التي يمر بها العالم العربي على لبنان، لذلك فهو يعاني اليوم من أوضاع سياسية واجتماعية صعبة، ولربما يكون لطريق الحرير دور مركزي في تحقيق التعاون بين الأطراف المتنازعة اللبنانية بحيث ينصب جل اهتمامها على تطوير الاقتصاد والتجارة بعيداً عن التجاذبات السياسية .

من هنا، فإن طريق الحرير سيكون البداية لتنشط عجلة الاقتصاد اللبناني، ويجب أن لا ننسى أن لبنان لديه ثروة نفطية تقدر بحوالي مائة مليار دولار ويمكن له أن يستفيد من خبرات الشركات الصينية في مجال التنقيب عن النفط فيسمح لهذه الشركات بالتنقيب في مياهه الاقليمية.

إنمايحدثاليومفيالصينيثيردهشةالعالمفدخولهاإلىالساحةالدوليةقدأصبحأمراًواقعاً،واحتلالهالمكانالولاياتالمتحدةالأميركيةقدأصبحممكناًكونهاتملكجميعمقوماتالقوىالعظمىمننهضةاقتصاديةجبارة،ثورةصناعيةحقيقية،قوةعسكريةونوويةمتنامية،تطوراًوتقدماًفيجميعفروعالعلموالمعرفةوالأدبوالفنون،وامتلاكهاحقالنقضالفيتوفيمجلسالأمنالدولي. لذلك، على لبنان أن ينتهز فرصة احياء طريق الحرير ويبادر إلى تقديم التسهيلات والخدمات اللازمة، والعمل على الانضمام الى البنك الاسيوي للاستثمار،

وتوقيع المزيد من الاتفاقيات الثنائية مع الصين في مختلف المجالات، والسعي نحو نشر الثقافة اللبنانية في الصين بهدف تشجيع الصينيين على الانخراط في المجتمع اللبناني وزيادة الثقة بين البلدين.

وفي هذا الاطار لعبت الرابطة اللبنانية – الصينية للصداقة والتعاون دوراً حثيثاً في تعزيز التبادل الثقافي ، والاكاديمي، والشبابي، والسياحي بين لبنان والصين.

وتعتبرالشركات الصينيةاليوم بين أهمال شركات العالمية،وبالتالى لابد من تحفيزها للمجيء إلى لبنان والاستثمارفيه،وإقامة شراكة معال مجموعات العقارية اللبنانية من أجل التعاون معهاعلىتنفيذمشاريعالصينفيالمنطقة،بمايعودبالنفعالكبيرعلىالاقتصاداللبنانيوعلىالشركاتاللبنانيةواللبنانيينبشكلعام.

وأخيراً يعوّل لبنان على دور مبادرة الحزام والطريق في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعبة بها، ولكن هذه المبادرة تواجه العديد من التحديات والصعوبات ولعل اهمها الأوضاع غير المستقرة في منطقة الشرق الأوسط،

بالاضافة إلى الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية لافشال أي جهود تقوم بها الصين.

قال أبن بطوطة الرحالة العربي الشهير الذي مر يوماً ما على طريق الحرير القديم اذا كنت تسعى للنجاح فاجعل وجهتك شرقاً. وهذا ما من شانه أن يجعل عودة الحياة لطريق الحرير تساعد لبنان على تأمين الرخاء والازدهار لاقتصاده.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى