الدكتور ناصر الجندي يكتب “نظريات تربوية غيّرت العالم: من حجر المعلم إلى ذكاء المتعلم” (10)

التربية الحديثة والذكاء الاصطناعي: أي نظريات نحتاج؟ (هل حان وقت نظرية تربوية جديدة؟)

بقلم الخبير التربوي الدكتور ناصر الجندي

حين يُدرّس الروبوت… من يضع المنهج؟
ما الذي يحدث عندما تُصبح أدوات التعليم أذكى من المعلمين؟ أو حين يُحلّل الذكاء الاصطناعي سلوك الطالب لحظة بلحظة ويقترح عليه خطة تعلم مخصصة؟ نحن لا نتحدث عن خيال علمي، بل عن واقع يتشكّل أمامنا بسرعة مدهشة.
في ظل هذا التغير، بدأ التربويون يسألون: هل النظريات التربوية الكلاسيكية – من بافلوف إلى فريري – لا تزال صالحة في عصر الخوارزميات؟ أم أننا بحاجة إلى نظرية تربوية جديدة تمامًا، تولد من رحم الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي يدخل الصف: ليس أداة فقط، بل شريك تعليمي
 في التعليم المعاصر، لا يُستخدم الذكاء الاصطناعي فقط لتصحيح الواجبات أو توليد الاختبارات، بل أصبح شريكًا في العملية التعليمية:
 أنظمة التعلّم التكيفية (Adaptive Learning Systems) تعدّل المحتوى بناءً على أداء الطالب.
 تحليل البيانات التعليمية يتنبأ بتعثر الطالب قبل أن يقع فيه.
 الروبوتات الاجتماعية تُستخدم في تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
إنها ثورة… لكن أي نظرية تربوية تُفسّرها؟

الفراغ النظري في ظل التقنية المتسارعة
معظم النظريات التربوية نشأت في القرن العشرين، حين كان الفصل غرفة مغلقة، والمعلم هو المصدر الوحيد للمعرفة. أما اليوم، فقد تغيّر كل شيء:
 المحتوى في السحابة، والمعلم لم يعد وحده.
 البيانات تقود القرار التربوي.
 التعلّم أصبح شخصيًا، آنياً، ومتنوع الوسائط.
هذه البيئة الجديدة لم تُصاغ لها بعد نظرية متماسكة، بل نعتمد غالبًا على ترقيع النظريات القديمة لتتناسب مع الأدوات الجديدة.
“الذكاء الاصطناعي لا يطلب إذننا لدخول التعليم، لكنه يطلب منا أن نُعيد التفكير في جوهر التعليم نفسه.” (Luckin et al., 2016)

333333360000

نحو ملامح نظرية تربوية جديدة
هل يمكن تخيّل نظرية تربوية جديدة تُناسب الذكاء الاصطناعي؟ هذه بعض ملامحها المحتملة:
1- تعلّم شخصي بالكامل: لا مناهج موحدة، بل مسارات تعلم تتشكل لحظيًا وفق تحليل أداء الطالب.
2- التغذية الراجعة الفورية: يتم التقييم والتحسين في الزمن الحقيقي.
3- المعلم ميسّر ومصمّم تجارب، لا ناقل للمحتوى.
4- الذكاء الاصطناعي شريك تربوي، لا مجرد تقنية مساعدة.
5- القيم والوعي الرقمي جزء أصيل، لتوجيه استخدام الذكاء الاصطناعي نحو الخير والتعلم المسؤول.

أخلاقيات تربوية جديدة: ماذا نُعلّم حين يصبح الذكاء الاصطناعي أداة تفكير؟
إذا أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي تكتب، وتفكر، وتُقارن، فماذا نعلّم الطلاب؟ هنا تظهر الحاجة إلى:
 تعليم التفكير النقدي فوق نتائج الآلة.
 تعليم الطلاب كيف يسألون، لا فقط كيف يجيبون.
 تعليم الوعي الأخلاقي والتأمل في التقنية نفسها.
“في عصر الذكاء الاصطناعي، القيمة الكبرى ليست في جمع المعرفة بل في تأويلها ومساءلتها.” (Seldon & Abidoye, 2018)

نقد وحذر: الذكاء الاصطناعي ليس منقذًا تربويًا سحريًا
 رغم الفوائد، هناك مخاطر كبيرة:
 غياب التفاعل الإنساني الحقيقي.
 خطر التحيز الخوارزمي.
 الخصوصية وسوء استخدام بيانات الطلاب.
لذلك، فالنظرية التربوية المستقبلية يجب أن تُوازن بين الفعالية التقنية والكرامة الإنسانية.

المدرسة القادمة… ليست فقط ذكية، بل إنسانية
لسنا أمام مجرد تطوير تقني، بل أمام تحوّل وجودي في مفهوم التعلم. لا يكفي أن نُدرّب المعلمين على الأدوات، بل علينا أن نُعيد بناء النظرية التي تبرّر وجودهم.
التربية في زمن الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى فلسفة جديدة… نظرية جديدة… نظرية تُراعي العقل البشري، والقلب البشري، والخوارزميات معًا.

المراجع :
1. Luckin, R., Holmes, W., Griffiths, M., & Forcier, L. B. (2016). Intelligence Unleashed: An Argument for AI in Education. Pearson Education.
2. Seldon, A., & Abidoye, O. (2018). The Fourth Education Revolution: Will Artificial Intelligence Liberate or Infantilise Humanity? University of Buckingham Press.
3. Holmes, W., Bialik, M., & Fadel, C. (2019). Artificial Intelligence in Education: Promises and Implications for Teaching and Learning. Center for Curriculum Redesign.

زر الذهاب إلى الأعلى