الخبير التربوي الدكتور ناصر الجندي يكتب التعليم إلى أين؟

بقلم الخبير التربوي الدكتور ناصر الجندي

في كل مرة نفتح فيها نقاشًا عن التعليم، يتبادر إلى الأذهان سؤال عميق لا يفقد أهميته أبدًا: إلى أين يتجه التعليم؟ وهل لا يزال يلبي احتياجات الإنسان في عالم يتغير كل يوم بسرعة مذهلة؟ وهل يمكن للمدارس والجامعات – بصورتها الحالية – أن تواكب ثورة الذكاء الاصطناعي، والميتافيرس، والتعليم المخصص، وحتى التعليم الجيني؟

نهاية التعليم التقليدي؟
يُجمع كثير من الباحثين على أن النموذج التقليدي للتعليم، القائم على الحفظ والتلقين، لم يعد مناسبًا لاحتياجات القرن الحادي والعشرين. يقول كين روبنسون، أحد أبرز مفكري التعليم في العالم:
 “المدارس تقتل الإبداع” (Robinson, 2006).
فالطالب اليوم لا يحتاج فقط إلى معلومات، بل إلى مهارات التفكير، والتواصل، والتكيف، والابتكار. وهذا ما يدفعنا لإعادة النظر في شكل المدرسة والجامعة ومضمون المناهج نفسها.

8827

الذكاء الاصطناعي: المعلّم الجديد؟
شهدنا في السنوات الأخيرة صعودًا هائلًا في قدرات الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد أداة، بل شريكًا في العملية التعليمية. بات بإمكانه شرح المفاهيم المعقدة، وتصميم خطط دراسية مخصصة لكل طالب، بل وتقديم تغذية راجعة فورية.
وقد أشار تقرير منظمة اليونسكو إلى أن:
 “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُحدث ثورة في التعليم إذا تم توجيهه بطريقة عادلة وأخلاقية” (UNESCO, 2021).
لكن يبقى التحدي: هل يمكن للآلة أن تعوّض المعلم البشري في دوره التربوي والعاطفي والقيَمي؟ أم سيكون الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تحت إشراف العقل البشري؟

التعليم المخصص: حلم يتحقق
من أبرز الاتجاهات الجديدة، فكرة “التعليم المخصص” أو (Personalized Learning)، حيث يُصمم البرنامج التعليمي حسب قدرات الطالب واهتماماته وسرعة تعلمه. لم تعد الفصول الدراسية بحاجة إلى السير على وتيرة واحدة.
أظهرت دراسة في جامعة ستانفورد أن الطلاب الذين تلقوا تعليمًا مخصصًا تحسن أداؤهم بنسبة 30% مقارنة بنظرائهم في النظام التقليدي (Pane et al., 2015).

مدارس المستقبل: هل نحتاج إلى فصول دراسية أصلًا؟
في عالم الميتافيرس، يمكن للطالب أن يحضر درس الفيزياء على سطح المريخ، أو يتعلم التاريخ داخل قصر فرعون. أصبح التعليم تجربة حسية متعددة الأبعاد. تقول عالمة الأعصاب كارلا شاتز:
 “ما تراه وتفعله يُعيد تشكيل دماغك أكثر مما تسمعه” (Schatz, 2012).
التعليم لم يعد محتوى يُحفظ، بل رحلة تُعاش.

لابد من شجاعة التغيير
التعليم لا يمكن أن يبقى على حاله في عالم يتغير كل دقيقة. نحن بحاجة إلى ثورة فكرية لا مجرد تطوير شكلي. التعليم القادم يجب أن يكون إنسانيًا، مرنًا، متصلًا بالحياة، وملهمًا.
وإذا أردنا حقًا أن نسأل “إلى أين يتجه التعليم؟”، فالإجابة قد تكون: حيث نأخذ به نحن، لا حيث يسير وحده.

المراجع:

1. Pane, J. F., Steiner, E. D., Baird, M. D., Hamilton, L. S., & Pane, J. D. (2015). Continued Progress: Promising Evidence on Personalized Learning. RAND Corporation.
2. Robinson, K. (2006). Do Schools Kill Creativity? TED Talk.
3. Schatz, C. J. (2012). The Neuroscience of Learning. Stanford University Press.
4. UNESCO. (2021). AI and Education: Guidance for policy-makers. Paris: United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization.

زر الذهاب إلى الأعلى