أقلام القراء

الدين والسياسة 

بقلم : محمد الكعبي

{وقالَ فِرعَونُ ذرُوني أَقتُل مُوسى وليَدعُ ربَّهُ إنِّي أخافُ أن يُبدِّل دينَكُم أو أن يُظهرَ فِي الأَرضِ الفسادَ} غافر: 26

من روائع القصص القرآنية، قصة (موسى عليه السلام وفرعون وبني اسرائيل) والتي تختزل الامراض الاجتماعية وكيف كان حكم الله تعالى معها من خلال هذه الثلاثية، وقد أخذت مساحة واسعة وبعدا تستحق الوقوف عليها لمحاكاتها مشكلة قد تكون من اعقد المشاكل الاجتماعية واصعبها والتي كانت ومازالت تعيش معنا، رغم اختلاف وبعد الزمان والمكان والاشخاص، فظاهرة تجيير الدين لتغيير مفاهيم الناس وآرائهم وسلوكهم واستغلالهم ثم تدجينهم سلاح فتاك يجيد استخدامه الكثير، فما كان صراع فرعون وموسى الا حلقة من حلقات هذا الصراع مع مجتمع وقع فريسة سهلة لما يعاني من مقومات الانحراف، من قبيل الفساد والعناد وتعطيل دور العقل والتمسك بالظواهر المادية، فكانت النتيجة التيه والضياع في الصحراء وسقوطهم حضاريا وتملكهم السامري فعبدوا العجل.

إن علاقة الحكومات بالدين تختلف باختلاف المجتمع والظروف والاحداث وعلاقتها مع الداخل والخارج وفقا لما يشكل الدين من مساحة في تلك المجتمعات والحقب الزمنية ومدى تأثيرها وتعاطيها معه، مع الاخذ بالاعتبار القوى الاجتماعية وانسجامها مع الدولة أو تباينها ، مع التوفر على رؤية الدول الكبرى والإقليمية للدين وحجم الصورة التي قد تغير معالم العلاقات بينها، فالصراع بين الأطراف السياسية والاجتماعية والثقافية في اثبات أحقية كل منهما في انه ممثل الله تعالى في الارض قد تصل إلى مستويات خطرة من الاستحواذ والاقصاء والدكتاتورية.  

إن استخدام الدين لتوجيه الرأي العام نحو اهداف سياسية تقف ورائها ايادي تدرك حساسية الدين في المجتمعات، ولما يثيره من قوة ردع أو جذب کبرى تؤثر على نفوس الافراد، وقد يجيد استخدامه (السلطة الحاکمة) أو القوى المجتمعية من حرکات اجتماعية أو أحزاب أو مؤسسات دينية أو جماعات التيار السياسي الاسلامي أو غيرهم بل حتى على مستوى الشخصيات، ويقوم الدين بدور كبير في تكوين ثقافة الامم ويؤسس لمفاهيم ونظريات لا تنجوا منها معظم المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء وعلى جميع الاصعدة، وقد يستخدم للاضطهاد کما حدث مع جاليلليو في عصر النهضة، وقد يؤسس إلى ثقافة التسامح والحب، وممكن ان يشكل أرضية خصبة لنشر روح الانتقام والتعصب، فالحروب الصليبية والاستعمار الخارجي للدول واحتلال فلسطين من قبل الصهيونية، والحركات الدينية المتطرفة، كلها استعملت شعار الله كوسيلة لتحقيق غاياتها فقتلت الانفس وهتكت الاعراض باسم الله.

 وللسياسة الحصة الاكبر في استغفال الجماهير من خلال الشعارات المقدسة حتى يدخل المتنافسون في المزايدة، وتتبادل الاتهامات بالنفاق والُكفر، وهو ما يعني التشريع لحمل السلاح من أجل المزايدة في إعلاء كلمة الله، ويؤدي في نهاية الأمر إلى استبداد أحدهما بالآخر وهذا ما نراه جلياً في العراق .  

 ليس كل من تكلم بالشرف شريف وبالصدق صادق وبالأمانة أمين، فاكثر الخطابات هي جماهيرية شعبوية ليس لها واقع بل مجرد اعلام وغسل لأدمغة الناس نحو المقاصد التي يسعى اليها رجل السلطة، فالاصوات العالية اغلبها مزعجة وان كانت تلهج بالايات والذكر الجميل فكثير منها دندنة ذباب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى