دين و دنيا

مع كتاب الله ج5 بقلم الشيخ موسى الهلالى

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} الآية في قوله: {خَلِيفَةً} وجهان من التفسير للعلماء:
أحدهما: أن المراد بالخليفة أبونا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ لأنه خليفة الله في أرضه في تنفيذ أوامره. وقيل: لأنه صار خلفا من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض قبله، وعليه فالخليفة: فعيلة بمعنى فاعل. وقيل: لأنه إذا مات يخلفه من بعده، وعليه فهو من فعيلة بمعنى مفعول. وكون الخليفة هو آدم هو الظاهر المتبادر من سياق الآية.
الثاني: أن قوله: {خَلِيفَةً} مفرد أريد به الجمع، أي خلائف، وهو اختيار ابن كثير. والمفرد إن كان اسم جنس يكثر في كلام العرب إطلاقه مرادا به الجمع كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [54/54]؛ يعني وأنهار بدليل قوله: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} الآية [47/15]. وقوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [25/74]، وقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً} [4/4]؛ ونظيره من كلام العرب قول عقيل بن علفة المري: [الوافر]
وكان بنو فزارة شرعم وكنت لهم كشر بني الأخينا
وقول العباس بن مرداس السلمي: [الوافر]
فقلنا اسلموا إنا أخوكم وقد سلمت من الإحن الصدور
وأنشد له سيبويه قول علقمة بن عبدة التميمي: [الطويل]
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
وقول الآخر: [الوافر]
كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زمانكم زمن خميص
وإذا كانت هذه الآية الكريمة تحتمل الوجهين المذكورين. فاعلم أنه قد دلت آيات أخر على الوجه الثاني، وهو أن المراد بالخليفة: الخلائف من آدم وبنيه لا آدم
ج / 1 ص -21- نفسه وحده. كقوله تعالى: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} الآية [2/30].
ومعلوم أن آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس ممن يفسد فيها، ولا ممن يسفك الدماء. وكقوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ} الآية [35/39]، وقوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ} الآية [6/165]، وقوله: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ} الآية [27/62]. ونحو ذلك من الآيات.
ويمكن الجواب عن هذا بأن المراد بالخليفة آدم، وأن الله أعلم الملائكة أنه يكون من ذريته من يفعل ذلك الفساد وسفك الدماء. فقالوا ما قالوا، وأن المراد بخلافة آدم الخلافة الشرعية، وبخلافة ذريته أعم من ذلك، وهو أنهم يذهب منهم قرن ويخلفه قرن آخر.
تنبيــه
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة؛ يسمع له ويطاع؛ لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة، ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم إلى أن قال: ودليلنا قول الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [2/30]. وقوله تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [38/26]. وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [24/55]. أي: يجعل منهم خلفاء إلى غير ذلك من الآي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى