أدب

حينما يسقط القناع 

تعقيبي على المقال الإسبوعي للناقد الأكاديمي الجليل أ.د. أحمد فرحات بعنوان “شبيه زماننا”:

حينما يسقط القناع 

===========

بقلم 

الشاعر.عباس محمود عامر

“مصر”

     الخداع يعني الخلابة بكسر الخاء ..والخلابة صفة من صفات الشيطان .. وحينما وسوس الشيطان لآدم وحواء في صورة حية ناعمة أفسدت كيانهما وأخرجتهما من الفردوس .. كان هذا أول خداع منذ بدء الخليقة .. من هنا ارتبط الخداع أو الخلابة بالأعمال الشيطانية .. والأعمال الشيطانية من شيم النفس الأمارة التي تسيطر على الإنسان .. وتتحكم في تصرفاته دون وعي بعد أن هربت الروح الجميلة منه في صراعها الدائم مع النفس الأمارة .

الشيطان جعل النفس الأمارة ترتدي قناعا لتمارس أفعالها البذيئة بين البشر حتى لا تكشفها البصائر.. لكن الله كان بالمرصاد يسقط القناع في أي زمان أو في أي مكان لتجلو الحقيقة ..قد تكون الحقيقة خيرا وقد تكون شرا .. فنحمد الله على كل حال .. كما أن المرء صاحب النفس الأمارة يحمل صفة المنافقين ..يعرض نفسه لعقاب الدنيا والآخرة ..ومن آيات الله تعالى “ليعذب اللَّه المنافقين والمنافقات والْمشرِكين والمشرِكات ويتوب اللَّه على المؤمنين وَالمؤمنات وكان اللَّه غفورا رحيما” .. ” إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم” ويقول أيضا عز وجل ” يخادعون اللّه والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون” .

  ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصنافا من أهل النار ومنهم : “رجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك”..ويقول ابن خلدون :”الناس في السكينة سواء… فإن جاءت المحن تباينوا”.

   نجد النفس الأمارة تجعل الإنسان يلبس أكثر من قناع .. وحينما تسقط الأقنعة يظهر وجهه القبيح بين الناس .. والمتلونون لا يستطيعون العيش في مجتمع آمن بالسكينة والصلاح .. يستحقون الطرد من هذا المجتمع ليعيش في أمن وسلام ..لأن النفاق والخداع له أضرار جسيمة على الفرد والمجتمع ..الخداع والنفاق وجهان يدلان على عدم الإيمان ويسببان التفرقة بين الناس بل بين أقرب الأقربين وأكل أموالهم على غير حق.

  فيجب أن نسعى لنشر التربية الحميدة والأخلاق الفاضلة بالثقة بالله جل علاه .. وأن تشملنا القناعة في كل شئ .. لنعيش في مجتمع ملتزم تتوازن فيه الحرية مع الإلتزام .

  مقالك أثار في ذاكرتي وروحي ذكريات أليمة من هذا القبيل .. كدت أبكي من فظاعة المواقف التي تعرضنا لها .. شعرت في مقالك بروحك السمحة التي عانت كثيرا في بحثها عن الحقيقة وكشف الأقنعة المزيفة كان الله في عونك وعوننا دكتورنا الغالي .

الشاعر.عباس محمود عامر

“مصر”

=====================

شبيه زماننا

بقلم أ.د.أحمد فرحات

 

 

العافية لا ثمن لها غير الشكر، فهي تاج على بدن الغني الفقير، والمريض معذور، فلا ترهقه، فليس عليه حرج. ثلاث قليلهن كثير: النار والمرض، والفقر.

يقال: إن كان شيء فوق الحياة فالصحة؛ وإن كان شيء مثل الحياة فالغنى، وإن كان شيء فوق الموت فالمرض، وإن كان شيء مثل الموت فالفقر.

اعلم أن المريض والمرأة والمدير المتسلط يجب مهادنتهم. فلما حضرت عبد الملك الوفاة، قال: أصعدوني؛ فلما أُصعِدَ تسطحَ على فراشه، ثم قال: يا دنيا، ما أطيب ريحك! يا أهل العافية، لا تستقلوا شيئاً منها؛ حتى سمع ذلك منه خارج القصر.

قال ابن عباس: “ما آتى الله عزَّ وجل عبدًا عِلمًا إلَّا شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشباب”، ثمَّ تَلا قوله عز وجل: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ (الأنبياء: 60)، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ )الكهف: 13(، وقوله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ )مريم: 12(.

المرض تبسُّم المنايا، ونذير للجاهل، وبشير للعاقل، مصيبة لا يُعَزّى عليها المريض، قال عمرو بن قميئة:

رَمَتني بَناتُ الدَهرِ مِن حَيثُ لا أَرى

فَكَيفَ بِمَن يُرمى وَلَيسَ بِرام

فَلَو أَنَّها نَبلٌ إِذاً لَاِتَّقَيتُها

وَلَكِنَّما أُرمى بِغَيرِ سِهامِ

ومما يجلب الداء بلا دواء الإحساس بالتهميش، وإنكار أفضال المخلصين، وعلو قدر المجوفين؛ ففي الواقع المعيش تنقلب الموازين رأسا على عقب، وتنهار الأسس والمبادئ ليحل محلها الزيف والجهل والصلف، وارتقاء أنصاف المثقفين، وأشباه المتعلمين مناصب كبيرة في الميدان، وهم غير جديرين بالمنصب أو المكانة، وربما حاربوا المثقفين بالفعل واعتلوا عليهم، وأوغلوا صدورهم غلا وحقدا وحجبا لمآثرهم ومناقبهم.

إن تنامي الجهلاء وبروزهم فوق السطح غدت أمورا تؤرق النابهين وتشغل حيزا من تفكيرهم مما يزيد أوجاعهم وتقلبهم في أتون الحياة ولهيبها.

فيقول في ذلك فاروق شوشة قصيدة”شبيه زماننا” :

عندما تستدير الحياة حواليك

حاول قراءة كل العيون

التي تتطلع

ــ وهي تراجع تاريخك المنزوي

ثم تاريخك المتحقق ــ

تقفز بين السطور‏,‏

وبين المرائي

لتبصر وجهك

أفعى مسلحة بالنعومة

***

لو نظرت قليلا ليوم قريب سيأتي

لأدركت أن الخيوط التي شاغلتك

بأحلام مجدك

ليست تدوم

وأنك يوما ستصبح نجما

وشيك الأفول

ولشيخ العربية الكبير د. سعد مصلوح في ذلك قول:

يا أيها المغضي على حسك قلبا يذوب ودمعة تكف

شارفت ياء العمر فانبعثت ذِكرٌ يَجُرُ نظيمَهَا الأَلِفَ

ماذا ترى يجديك إن رجفت منك الخطا وتحير الهدف؟

فالشاعران يشتركان في الألم الناجم جراء امتلاك ذلك المجوف العاري من الإحساس بانقضاء العمر، وما يتبعه من ندم وحسرة على أفعاله الخرقاء، ويذكرانه بالنهاية المحتومة لكل حي، فهل يجديه عندئذ صلفه وغروره؟؟

الحياة عندما تكشف أقتعة الناس، تكشفهم بقسوة لدرجة أنك تحتاج وقتا طويلا لتستوعب بشاعة الوجه الحقيقي الذي تشاركت معه ذكرياتك بشتى أنواعها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى