بقلم:
د. سمير فرج
متابعة عادل شلبى
أصدر مجلس الأمن الدولي، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، قراره، الشهير، رقم (242)، بتاريخ 22 نوفمبر 1967، بعد الجولة العربية الثالثة، التى أعقبت حرب يونيو 67، والتى أسفرت عن هزيمة الجيوش العربية الثلاثة, مصر، وسوريا، والأردن، واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان، والضفة الغربية، والقدس، وجاء هذا القرار كحل وسط لعدد من مشروعات القرارات، التى طُرحت للنقاش بعد انتهاء الحرب، لكى يوافق عليها كل الأطراف العربية وإسرائيل.
فقد تضمن هذا القرار، فى الفقرة (أ)، من مادته الأولى، انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى التى احتلتها فى النزاع الأخير، إلا أن النسخة الإنجليزية، لذلك القرار، حُذف منها أداة التعريف، (ال)، من كلمة الأراضي، ليصبح النص انسحاب القوات الإسرائيلية من أراض احتلتها…، فتحايل، بذلك، صاحب القرار، مستخدماً اللغة، لإرضاء الأطراف العربية بمضمون هذه المادة التى تؤكد انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى التى احتلتها فى هذه الحرب، بينما أرضت إسرائيل، أيضاً، بالصياغة الإنجليزية، والتى منحتها حرية ما تنسحب منه من أراض!
كان صاحب هذا المقترح، فى مجلس الأمن، هو اللورد بيتر كارنجتون، البريطانى الجنسية، والذى تمكن، بهذه الحيلة، الخفية، إرضاء الجانبين، العربى والإسرائيلي، ونال مقترحه تصويتا بالإجماع على الموافقة، بإجمالى 15 صوتا، ولم يمتنع أحد عن التصويت، فنال اللورد كارنجتون لقب شيطان الأمم المتحدة، بعدما نجح فى الحصول على موافقة كل من العرب، وإسرائيل، وجميع أعضاء مجلس الأمن، على واحد من أهم القرارات التى أصدرها مجلس الأمن، لإيقاف إطلاق النار بعد حرب 67. يعرف عن اللورد بيتر كارنجتون أنه أحد أهم السياسيين البريطانيين، تخرج فى كلية ساند هيرست الحربية الملكية، فى بريطانيا، وترقى حتى رتبة رائد، بعدها انتظم فى السلك الدبلوماسى البريطاني، حتى أصبح وزيراً للخارجية البريطانية، وتوفي، فى العام الماضي، عن عمر ناهز 99 عاماً.
وتشاء الأقدار، أن ألتقى اللورد بيتر كارنجتون، فى عام 1975، حينما كنت أدرس فى كلية كمبرلى الملكية، بإنجلترا، عندما زارها اللورد كارنجتون، ليحاضرنا عن المتغيرات السياسية فى الشرق الأوسط، فانتهزت فقرة الأسئلة المفتوحة، فى نهاية المحاضرة، لأتقدم له بسؤال، عن القرار 242، فى مجلس الأمن، الذى تولى هو صياغة مسودته، وعما كان يقصد من خداعه للجميع بحذف لفظ التعريف «The»، أو ال، من كلمة «أراضي»، فى النسخة الإنجليزية.
وأمام طبيعة السؤال، فلم أتوقع أن تكون الإجابة، صريحة، بل توقعت أن تلتف حوله، بمنتهى الذكاء… فنظر إلى اللورد كارنجتون، طويلاً، قبل أن يقول أكاد أجزم بأنك مصري، ولما أكدت له صحة توقعه، أسترسل فى حديثه، قائلاً، يجب أن تعلم أن مصر هى أقوى دولة فى منطقة الشرق الأوسط، وتمتلك كل مقومات القوى, سواء القوى البشرية، أو القوى السياسية والعسكرية، والثقافية، فضلاً عن تميز موقعها الجغرافي، فالخلاصة أن مصر هى أقوى دولة فى المنطقة، وهو ما سيدوم لها، مما يسبب لها مشكلة، إذ أجمعت الدول, المحيطة، والبعيدة، على وضع مصر فى «Pool»، أى حمام السباحة، تصل المياه فيه حتى أطراف الأنف، ولا تزيد عن ذلك فتغرق مصر، ولا تقل عن ذلك فتظهر أذرعتها… فلا يتمنى أحد لمصر أن تهوى، باعتبارها حجر زاوية المنطقة، ورمانة ميزانها… ولا يريد أحدهم أن يراها تنهض، فتظهر قوتها. وأضاف اللورد كارنجتون، صدقنى يا عزيزى سيعمل الجميع على أن تظل مصر، دائماً، فى حمام السباحة… فالجميع يهاب مصر ويخشاها
وبعد نحو 45 عاماً على هذا اللقاء، وعندما انظر حولي، سواء اليوم، أو خلال الأعوام الماضية، أجد أن ما قاله شيطان الأمم المتحدة كان صحيحاً، بنسبة مائة بالمائة، فى كل حرف نطق به. فالحقيقة أن مصر هى أقوى دول المنطقة، والجميع يخشاها, القريب منا، والبعيد عنا … فإلى متى تظل مصر فى حمام السباحة؟ إنه سؤال القرن الحادى والعشرين، فكلما حاولت مصر الخروج من أزماتها، والانطلاق نحو المستقبل، تجد من يحاول، بكل السُبل، تعطيل مسيرة هذه الدولة… وهو ما يحدث لمصر، حالياً، حيث تُمارس ضدها حروب الجيل الرابع، بنشر الشائعات، والأخبار الكاذبة، بهدف زعزعة الثقة بين الشعب المصري، وقواته المسلحة، وهو ما من شأنه هدم أركان الدولة المصرية.
إن لدى مصر طاقات هائلة، أولاها الطاقة البشرية، المتمثلة فى 100 مليون مواطن، يشكلون قوى عظيمة، لو أحسن استغلالها، وثانيتها موقع جغرافى متميز، حابانا الله فيه بثروات ومقدرات من البترول والغاز الطبيعي، وهو ما يزيد من تربص المحيطين بنا، سواء من ميليشيات الحوثي، المدعومين من إيران، فى مدخل البحر الأحمر، بما يهدد الملاحة فى قناة السويس، فضلاً عن أطماع تركيا فى اكتشافات الغاز بالمتوسط، وتحرشاتها للحيلولة دون استمرار التنقيب عنه وتصديره إلى أوروبا، إضافة إلى أزمة سد النهضة، التى لا يعلم أحد إلى أى مدى تمتد هذه المشكلة، التى تهدد شريان الحياة لمصر والمصريين… ويبقى السؤال، قائماً، متى تخرج مصر من حمام السباحة؟!