اخبار عاجلةكتاب و مقالات

مقاومة الحقد واصولة

أحمدالعجوز

عندما يمتلئ قلب الإنسان حقدا وحسدا، فإنه يضر نفسه بذلك أولا قبل أن يضر غيره، لأن السعادة والراحة لا تعرف إلى قلب الحقود سبيلا. وكيف يرتاح وقلبه يغلي دائما من كثرة الشر والعياذ بالله. بل إن ما يحمله الحقود الحسود من شر في قلبه، قد يحرمه حتى من لذة النوم!
لنصغ جيدا إلى هذه الكلمات من كتاب الله تعالى والتي يتحدث فيها جل شأنه عن حال أصحاب الجنة قائلا:
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ) الحجر:47
لقد أخبر تعالى في هذه الآية أنه سينزع ما في قلوب أهل الجنة من غل، لتبقى قلوبهم صافية طاهرة. أتدرون لماذا أيها الأحباب؟ إن الجواب بسيط: لقد وعد الله أهل الجنة بالسعادة التامة، ولأن السعادة لا تتم مع وجود الحقد والغل في القلب، فإن الله تعالى سيطهر قلوب أحبابه في الجنة من الحقد والغل والحسد ومن كل الأمراض التي لا تحصل السعادة والراحة مع وجودها. ومما يستفاد من الآية الكريمة كذلك، أن طهارة القب من الحقد والحسد صفة من صفات أهل الجنة وأن التوفيق لذلك من علامات الخير. فهنيئا لمن طهرت قلوبهم.
عباد الله، إن فضل طهارة القلب عظيم في الإسلام وإن العبد ليبلغ بطهارة قلبه من كمال الإيمان ما لا يبلغه بسبب آخر من الأسباب. ففي الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيُّ الناس أفضل؟ فقال: “كلُّ مخمومِ القلب، صدوقِ اللسان”. قالوا: صدوقُ اللسانِ نعرفه، فما مخمومُ القلب؟ فقال – صلى الله عليه وسلم -: “هو التَّقيّ النَّقيّ، لا إثمَ فيه ولا بَغْي، ولا غِلّ ولا حَسَد”.
نعم، إن أصحاب القلوب النقية التي لا تحمل حقدا ولا بغيا ولا حسدا هم أفضل الناس على الإطلاق كما بين النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث آخر يقول صاحب أنقى وأطهر قلب على وجه الأرض صلوات الله وسلامه عليه:
“إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ” (مسلم)
فالمعيار عند الله هو القلب وليس الشكل والمظهر. ومادام القلب هو محل نظر الله تعالى، فليسأل كل واحد منا نفسه: ماذا يحمل في قلبه للآخرين؟ وإن كان الناس لا يرون ذلك، فإن الله تعالى مطلع على كل الخفايا عالم بكل السرائر. يقول جل شأنه:
(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر:19
وليس الأمر مقصورا على العلم وحده، بل إن الجزاء والحساب في الآخرة أيضا معلق على حال القب، إذ سيجازي الله العباد بناء على ما في قلوبهم. ولن يفوز يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم. يقول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام:
(وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء:87-89
عباد الله، لقد وصف الله العلاقة بين السابقين واللاحقين من هذه الأمة بأنها علاقة يطبعها الود والرحمة والأخوة في الدين. فالمؤمنون حقا وصدقا، لا يحقد أحدهم على أحد ولا يحقد جيل منهم كذلك على جيل. ولسان حال كما لسان مقال كل جيل من أجيال هذه الأمة، هو ما أخبر به الله تعالى حيث قال:
(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر:10
وإنه لمن الغريب ومن العيب كذلك أن نرى بعض المنتسبين إلى الإسلام يحملون من الغل والحقد على جيل الصحابة (الجيل الأول من المسلمين) ما لا يحملونه على أحد، بل إن غل هؤلاء وحقدهم لم تنج منه حتى أمهات المؤمنين!
أيها المسلمون، إن الإسلام دين حكيم، وما أمرنا بتطهير قلوبنا من الغل والحسد إلا لأهمية ذلك. إن هذه الأمراض والمعاصي التي يرتكبها الإنسان بقلبه كالحقد والحسد، لا نستطيع رؤيتها ولا رؤية الإنسان وهو يرتكبها. لا يرى ذلك ولا يعلمه إلا الله ثم الإنسان نفسه. وبالتالي، فقد يبدي العبد للآخرين خلاف ما يبطن وقد يخدعهم بإظهار الود وحب الخير فيثقون به ويقرّبونه وهو يكنّ لهم عكس ذلك تماما، وهذا أمر خطير. أما معاصي الجوارح كالغيبة والزنا وغيرها فرغم خطورتها، إلا أننا نرى الإنسان وهو يرتكبها فنأخذ احتياطاتنا منه وقد ننصح المتلبس بها ليتوب إلى الله منها. ثم إن أمراض القلوب هاته وإن كنا لا نراها، فإننا نرى أثرها الخطير.
إن ما يحدث من فساد للعلاقات بين الناس وانتشار فظيع للغيبة والنميمية وسوء الظن مثلا، ما هو في الحقيقة إلا نتيجة للحقد والحسد. ومهما حاول البعض تبرير هذه السلوكيات بشتى المبررات، فلو بحثنا في أنفسنا بصدق، لوجدنا أن أمراض القلوب هي السبب وراء الكثير من هذه التصرفات. وعلى سبيل المثال، فإن الإنسان لا يغتاب أقاربه ولا من يحبهم وإنما تقع الغيبة فيمن نكره. ومن حقد على شخص أو حسده سلط عايه لسانه.
عباد الله، من أجل أن نحافظ على طهارت قلوبنا تجاه بعضنا البعض، أنصح نفسي وإخواني بما يلي:
• حاول أن تبدأ أخاك بالسلام وأن لا تلقاه إلا بوجه بشوش مبتسم، فعسى ذلك أن يزيل ما قد يكون في قلبه تجاهك.

• لا تصدق أحدا ينقل إليك أخبارا سيئة عن الآخرين، فقد تسيء الظن بأخيك أو أختك ظلما وعدوانا.

• لا تبالغ في الجدال والمزاح مع من تحب، فقد يؤدي ذلك إلى الخصومة وفساد العلاقة. وكم من صحبة انقلبت عداوة بسبب الجدال والمزاح الزائد!

• لا تظلم الناس ولا تهضم حقوقهم، واعتذر لمن أخطأت في حقه. فالاعتذار من شيم الإيمان. وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

• اقبل عذر من أخطأ في حقك متى اعتذر إليك. واعف عمن ظلمك، ففي العفو راحتك قبل راحة الآخرين. لنقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم في عفوه وتسامحه حيث سامح ألذ أعدائه وقد حاول قتله واتهمه في عرضه الشريف ومع ذلك سامحه وعزم الصلاة عليه لما مات، لولا أن القرآن حال بينه وبين ذلك. لنقتد أيضا بنبي الله يوسف عليه السلام الذى آذاه إخوته وألقوه في البئر وهو طفل صغير بريء لم يؤذهم بشيء. أعماهم حقدههم وحسدهم فلم يراعوا أخوته ولا براءته وصغر سنه ولم يراعوا أيضا تقدم أبيهم في السن وتعلقه الشديد بابنه. فطوعت لهم أنفسهم أن يلقوه في البئر…! ثم بيع عليه السلام كما تباع البضائع وذاق من ذل العبودية والسجن ما الله أعلم به وحرم من أبويه طول هذه المدة. كل ذلك بسبب كيد إخوته. لكن، لما أمكنه الله منهم وجاءوا أمامه نادمين معتذرين، لم يتردد يوسف عليه السلم ولو للحظة في قبول اعتذارهم فقال لهم: ” لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم” هكذا بكل بساطة، قبل اعتذارهم ودعا الله أن يغفر لهم.

• لا تحسد أحدا أعطاه الله من الفضل أكثر مما أعطاك، فقد أعطاك الله أيضا أكثر من آخرين كثر . لكن الشيطان لعنه الله، ينسينا في الكثير من الأحيان أن ننظر إلى نعم الله علينا والتي لا تعد ولا تحصى ويجعلنا فقط ننظر إلى ما أنعم الله به على الآخرين. اسأل الله من فضله، فالذي أعطى فلانا وعلانا قادر على أن يعطيك المزيد. لكن إياك أن تحسد وتتمنى زوال نعمة أنعم الله بها على أحد، حتى ولو في قلبك وبينك وبين نفسك، لا يجوز ذلك أبدا. ولا تنس ما فعله الحسد بابن آدم إذ دفعه إلى قتل أخيه، ولا ما فعله كذلك بإبليس الذي حسد آدم على فضل الله عليه وكانت نتيجته اللعنة والطرد من رحمة الله إلى يوم الدين.

• في الأخير أخواني أخواتي أقول: من أجل التعاون على طهارة القلوب، فمن واجبنا جميعا أن نصلح بين المتخاصمين ونقرب بين المتباعدين من بيننا. عيب وعار أن نعلم أن هناك خصومة بين شخصين ولا نفعل شيئا من أجل الصلح بينهما. إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم. وإن الله يعطي على إصلاح ذات البين ما لا يعطي على التطوع بالصلاة أو الصوم أو الصدقة. فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم.

اللهم لا تجعل في قلوبنا لإخواننا حقدا ولا غلا ولا حسدا واغفر اللهم لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعالى آله.
اللهم انزع الحقد والغل والحسد من قلوبنا
اللهم انصر الامه العربية وانصر رئيس الجمهورية الاب عبد الفتاح السيسي
وقيادة الدولة المصرية
اللهم بحق هذة الايام العشر من ذي الحجة انصر الجيش المصري وكل جيويش الامه الاسلاميه والعربية
اللهم تقبل اللهم امين
ولنا لقاء

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى