أدب

حب الروح” أول رسالة ربانية

تعقيبي على المقال الإسبوعي للناقد الأكاديمي الجليل أ.د.أحمد فرحات بعنوان “قانون الحب” :

“حب الروح” أول رسالة ربانية
===================
بقلم
الشاعر.عباس محمود عامر
“مصر”

حينما خلق الله آدم وحواء .. أنزل عليهما رسالة ربانية هي رسالة “حب الروح” .. سميت “حب الروح” لأن آدم وحواء من روح واحدة .. أنزلت هذه الرسالة الربانية عبر الروح من قبل كل الرسل .. لتظل أيقونة في القلب بين آدم وحواء لضمان استمرار الحياة .
هذه الرسالة نبيها آدم عليه السلام .. لا يوجد حتى الآن من يناقشها أو يبحثها أو يعلنها على الملأ كرسالة ربانية دينية ضمن الرسل التي نزلت على الأنبياء .. كل ما يعرفه عامة الناس أن الله سبحانه وتعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر فقط وتزوجها .. لكن لم يفصح أحد عن الحب والعشق بين آدم وحواء الذي ترعرع على الكون كله..”حب الروح” إنه رسالة ربانية.. ودستور إلهي في الروح البشرية بمداد الإنسانية لذلك ينجذب الرجل للمرأة .. والمرأة تتعلق بالرجل بموجب هذا الدستور الروحي الإلهي دون أن يدري أحد كيف تم هذا التجاذب والتلاحم بين الرجل والمرأة ..
هذه الأيام نجد أن غياب العاطفة التي تنبع من حب الروح .. أدى إلي تفاقم الخلافات الأسرية بين الرجل والمرأة ..وامتلأت سجلات المحاكم بدعاوي الخلع والطلاق .. لأن غياب العاطفة كأنك تسقي أرضا جرداء دون بذور أو شتلات .. فالمرأة تمهد الأرض للزراعة والرجل بدوره يسقى هذه الأرض حتى تصبح أشجارا ليكون البيت جنة تثمر الحب والعطاء .. ومهما كانت المشاكل المادية والاجتماعية.. فإن حب الروح هو أساس تماسك العلاقة بين الرجل والمرأة ..
وأهم البنود التي ينص عليها الدستور الإلهي “حب الروح” ..أن هذا الحب يأتي في موعد غير محدد بل يحدده القدر فقط ..وحب الروح يبنى على الإنتماء والتواصل والتحاور والتعاطف والتراحم والمودة واحترام وجود الآخر في السر والعلن .. وبكل هذا يوجب الإخلاص بتبادل عطاء المشاعر الدفينة العميقة بين الطرفين .. والحفاظ على الأسرار التى تنشأ بينهما فلا يجوز لأي طرف إفشاء أسرار الآخر .. لأن إفشاء الأسرار من الكبائر التي حرمها الله .. كما لا يجوز للمحب أن يغيب عن المحبوب مهما كانت الأسباب إلا في فترة النعاس ويحق لأي منهما إيقاظ الآخر في أي وقت يشاء يحن له ..وبحب الروح يتقبل الرجل والمرأة كل الاختلافات وينهون كل الخلافات لأن حب الروح لا يعرف الخيانة .. والتضحية من أجل استمرار هذا الحب الروحي.
والصداقة بين الرجل والمرأة لا تمثل شيئا من حب الروح .. ماهي إلا علاقة اجتماعية سطحية تنبع من النفس لا الروح للتكيف النفسي بين الطرفين أساسها الثقة والمودة والتفاهم والإخلاص.. لكنها هذه الأيام تفتقد الصدق الذي هو أحد سماتها نظرا لتبادل المنافع والمصالح الشخصية وحب الذات .. وينهار قوامها تدريجيا ..لغياب الجدية وانعدم الثقة والإخلاص فتقل المودة .
يقول الشاعر أمرؤ القيس في معلقته الشهيرة: “أغرك مني أن حبك قاتلي/ وأنك مهما تأمرى القلب يفعل” .
كما قال أيضا الحب يتغذى على الحرمان والغياب وهو ضد التشبع ومتى تشبع الإنسان بدأ يتملل لذلك قال أمرؤ القيس: «وقبلتها تسعا وتسعين قبلة وواحدة أخرى وكنت على عجل» فقد كانت الأخيرة على عجل لأنه تشبع إلى درجة الملل..فالتجديد في تغيير أساليب التعايش مع الحب الروحي.. لا يجعل أي طرف يمل من الطرف الآخر
ويقول عنترة بن شداد أيضاً:
“سلا القلب عما كان يهوى ويطلبُ وأصبح لا يشكو ولا يتعتبُ
صحا بعد سكر وانتخى بعد ذلَّةٍ
وقلب الذي يهوى العلى يتقلبُ
إلى كم أُداري من تريدُ مذلَّتي وأبذل جهدي في رضاها وتغضبُ” .
لذلك أطالب الباحثين المختصين .. بحث رسالة “حب الروح” في دراسة بحثية دينية .. كأول رسالة ربانية والتي لم تحظ أي اهتمام ليس على المستوى الثقافي فقط بل على المستوى الديني أيضا .. لنشر روح العاطفة التي غابت عن مجتمعنا عند أغلب الأسر .
دكتورنا الجليل من نهرك الثقافي الهادر.. ننهل لنصب كل ماهو مفيد للقارئ الجاد .. دمت علما من أعلام الفكر والأدب .
الشاعر.عباس محمود عامر
“مصر”
=================
قانون الحب
بقلم
أ.د.أحمد فرحات
في قانون الحب وقواعد المؤكدة عند الراسخين في الحب أنه لا يعرف زمانا، ولا مكانا، ولا قربا، ولا بعدا، ولا صداقة، ولا عداوة، ولا عمرا، ولا دينا.
في قانون الحب لا يعرف المحب أن أهل محبوبته من أعدائه أو من أقربائه؛ فقد أحب امرؤ القيس امرأة من كنانة وقد كانوا أعداءه، وأحب لبيد امرأة من مُرة وقد كانوا أعداءه أيضا. وقد سمى د. طه حسين هذا الضرب من الحب بالغزل الهجائي، وزعم أنه إسلامي النشأة، ورد عليه د. عبد الله الطيب صاحب كتاب المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، بأنه غزل جاهلي، يضرب في جذوره إلى أعماق سحيقة في التاريخ الأدبي، ومن جانبنا نرى مثل هذه الظاهرة كثيرا في الشعر العربي؛ فالشاعر كان يحب امرأة، وقومها من ألد أعدائه، يحاربهم ويقاتلهم وقتا طويلا، لكنه يعشق نساءهم، ويحب دلالهن، ومرحهن؛ فيقول المُفَضّل النُّكْرِيّ صاحب المنصفة القافية الشهيرة :
ألمْ تَرَ أنَّ جيرتَنَا استقَلُّوا
فنِيَّتُنَا ونيتُهُمْ فَرِيقُ
فصاحبته من بني قومه المقربين الذين يجمع بينه وبينهم عداوة وحقد دفين، وها هو ذا قد أعلن منذ أن صاحبته في طريق، وهو في طريق، فالنوايا بينهما واحدة، وهي إعلان الهجر والقطيعة على الرغم من عشقه لها. ثم راح يصف دموع الفراق بأنها لؤلؤ ينزل على صدره وصدرها فتبلله، وهي التي هام بها وعشقها عشقا طالما تمتع بجمالها وقتا ليس بالقصير. وليس المفضل وحده من عشق امراة من أعدائه، فهذا ابن بَرَّاق الثُّمَالي يقول:
عَدَانِي أنْ أزورَكِ أنَّ قَومِي
وَقَومَكِ ألقحُوا حرباً شمُولا
يعلن الشاعر صراحة أن سبب تغيبه عن الموعد المحدد بينه وبين صاحبته أنه شغل بحرب مع بني قومها، وأنه يطلب منها الصفح والمغفرة لأنها إذا رأته وهو يحارب يوم الحيار لتقبلت العذر وسامحته. وهكذا يمكن أن نؤكد على هذه الظاهرة. ويؤكد أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت توتر العلاقة بينه وبين أهل صاحبته؛ بل عداوتهم في نونيته، ويعلن في صراحة تامة:
أَفي سَلمى يُعَاتِبُني أَبوه
وَإِخوَتُها وَهُم لِي ظالِمُونا
ويؤكد العديل بن الفرخ هذه العلاقة بين الشاعر ونساء الأعداء في قوله:
لعلَّ الذي قَادَ النَّوَى أنْ يَرُدَّهَا
إلينا وقد يُدْنَى البَعِيدُ مِنَ البُعْدِ
وعَلَّ النَّوى في الدَّارِ تجمعُ بيننا
وهل يُجْمَعُ السَّيفَانِ ويحكِ في غِمْدِ؟
فالشاعر يصرح أن قومه وقومها يتحاربان، وفي عداء دائم، فكيف يمكن أن تجمعهما دار واحدة؟ وضرب لذلك مثلا بامتناع السيفين أن يجتمعا في غمد واحد.
قد نقبل هذا في عصور الظلام والجهل، لكنه يفزعنا إذا قرأناه في عصور النور والعلم والمعرفة.
تغزل الصحابي الجليل حسان بن ثابت في ليلى بنت الخطيم، وانتقم منه قيس بن الخطيم وتغزل في عمرة زوج حسان. ولا شك أن مثل هذه القصائد تمثل خط القلق النفسي، واضطراب النفوس، وتغير عدة السلاح، فبدلا من الحروب الفعلية حلت الحروب الشخصية، والعائلية، وقد سجل ديوان الشعر العربي هذه القصائد القلقة كأنها قيلت وروح الشاعر على جناح القلق تتقلب. وقد نقل صاحب نشوة الطرب فقرة أراها من أهم فقرات الكتاب عن قيس بن الخطيم. قال: وكان أجمل أهل زمانه، لا تراه امرأة إلا فتنت به، وكان يتغزل في عمرة زوج حسان بن ثابت، وكان حسان يتغزل في ليلى بنت الخطيم..فالحرب قد نالت من نسائهم بشكل صارخ.
وفي قانون الحب لا وعود ولا كرامة ولا صدق بل الجبن والجنون والخنوع والذل والحماقة.
“…وعدتُك أن لا أحبك..
ثم أمام القرار الكبير، جبنت
وعدتكِ أن لا أعود…
وعدت…
وأن لا أموت اشتياقاً
ومت
وعدت مراراً
وقررت أن أستقيل مراراً
ولا أتذكر أني استقلت…
وعدت بأشياء أكبر مني..
فماذا غداً تقول الجرائد عني؟
أكيدٌ.. ستكتب أني جننت..
أكيدٌ.. ستكتب أني انتحرت
وعدتك..
أن لا أكون ضعيفاً… وكنت..
وأن لا أقول بعينيك شعراً..
وقلت…وعدت بأن لا …وأن لا..وأن لا …
وحين اكتشفت غبائي.. ضحكت…
*************

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى