متابعات

تعقيبا على المقال الأسبوعي للناقد الأكاديمي الجليل أ.د.أحمد فرحات بعنوان “المرأة” :

 عباس محمود   يعقب ..  

   المرأة لولاها ما كانت الحياة على وجه الأرض، فجميع الأوطان ولدت من رحم المرأة؛ لولا ذلك ماخلق الله حواء من ضلع آدم .

المرأة هي رمانة الميزان؛ بدونها تختل جميع الموازين؛ هي الزهرة والفراشة 

والشمس والقمر والماء والهواء هي رحم الحياة، وهي النار التي تدفئك بنورها

لم ولن تتحول لرماد؛ تظل مشتعلة للأبد بحب الروح؛ الوحيد الذي تخشاه هو الزمان، هي قطعة منك فهي لك، وأنت لها .

المرأة تستطيع أن تجعل الكون كله جنة بروحها وحبها الروحي وجمالها وأنوثتها؛ كما تستطيع أن تشعل الكون كله بنار الحرب كما حدث في حرب البسوس في عصور الجاهلية:

“امْرَأةٌ أشْعَلتْ الصَّهْلَةَ 

في حَلْقِ جوَادْ 

صَاحَتْ خُيولُ النّارِ 

تُصْهِرُ الحُقُولَ

في بَوَادِرِ الرَّبِيعْ 

صَارتْ رمَادَاً

فسمَادَاً 

للمُوسِمِ القَادِمْ” …

     هذا مقطع من قصيدتي “فصائل من سلالة الجرح “من ديوان “النار والسنبلة”.

شرارة حرب البسوس كانت بسبب إمرأة تدعى البسوس بنت منقذ، كانت في زيارة لابن أختها جساس بن مرة؛ تركت ناقتها خارج الدار؛ لكن الناقة راحت تأكل من عشب إبل الملك كليب؛ لكن الملك كليب اغتاظ فقتل الناقة؛ ثارت البسوس غضبا؛ أشعلت حماس ابن أختها جساس بنار غضبها للثأر لمقتل ناقتها، فقتل جساس الملك كليب.

اشتعلت حرب البسوس لمقتل الملك كليب؛ حتى قتل جساس ابن اخت البسوس ثأرا علي يد الزير سالم الأخ الأصغر لكليب .

كل مقال من مقالاتك له مقام، ومن هذا المقام تتسع من خلاله جعبة الفكر بما تحمله من ثقافة وأدب، لنطرح مافي الجعبة في سطور تبهر المتلقي .

دام مقامك دكتورنا الجليل الذي يعتلي بنا إلى علياء المعاني الراقية في جمال الطرح.

الشاعر.عباس محمود عامر

“مصر”

المرأة

بقلم أ.د.أحمد فرحات 

  المرأة هي المرأة في أي زمان وفي أي مكان، إن اعتدلت اعتدلت معها الدنيا كلها، وإن مالت مال معها ميزانها، تقلب العش الصغير حدائق، وتقلب القصر المنيف خرابا ، فإن شاءت شاء الزمان لها،وإن أبت أطفأت قرص الشمس في ضحاه. لم يكن دور المرأة في المجتمع العربي أقل من دور الرجل قوة وجسارة؛ فعمل البيت لم يكن كل همها بل انغمست في القضايا الكبرى، وأبانت عن رأيها، وكم من قرار اتخذه الرجال الصناديد فحوّلته المرأة وقلبت الموازين، وكم تدخلت في صنع قرار يناسب كرامتها. وإذا قالت المرأة أصغى الجميع لقولها، فلم تكن أبدا مهمشة ولا ذات جناح ضعيف.

تسببت أبيات الزهرء بنت ربيعة في مقتل زوجها عامل الملك لبيد الغساني بعد أن لطمها فألبت نفوس إخوتها عليه فمالوا عليه وقتلوه فقالت:

مَا كُنْتُ أحْسَبُ والحوادث جَمَّةٌ*** أَنَّا عَبيد الحي من قَحْطَـــــــانِ

حتى أَتَتْنِي من لبيدٍ لَطْمَــــــــةٌ*** فَعَشَتْ لها مِنْ وَقْعِهَا العَيْنَــــانِ

وهذي عفيرة بنت عباد الجديسية التي يقال لها الشموس صورة للرفض والإباء العربي، فقد أرادت أن تحرض قومها على ظلم عمليق الذي بغى وظلم الناس، وكان أمره يقضي ألا تزوج بكر في بلاده إلا بعد أن يفتضها، وكان النساء يألمن لفعل عمليق، حتى جاءت عفيرة بفكرة تلهب بها حماس قومها، وتطرق نخوتهم ورجولتهم، فلما أن دخلت عليه افترعها وخلى سبيلها. فخرجت إلى قومها في دمائها شاقة درعها من قُبلٍ ومن دُبرٍ والدم يسيل وهي في أقبح منظرٍ، وهي تقول:

أيجْمُلُ مَا يُؤتَى إلى فَتَيَاتِكُمْ وَأَنْتُم أناسٌ فيكمُ عددُ النَّمْلِ

وَتُصْبِحُ تَمْشِي في الدِّمَاءِ عَفِيْرَةٌ جهاراً وَزُفَّتْ في النِّسَاءِ إلى بَعْلِ

وَلَوْ أَنَّنَا كُنَّا رِجَالاً وَكُنْتُمُ نِسَاءَ حجالٍ لمْ نُقِرَّ بذا الفعلِ

فَمُوْتُوا كِرَاماً أوْ أَمِيْتُوا عَدُوَّكُمْ ودِبّوا لنارِ الحرْبِ بالحَطَبِ الجَزْلِ

وَإِلا فَخَلُّوا بَطْنَهَا وَتَحَمَّلُوا إلى بلدٍ قفْرٍ وَمُوتُوا منَ الهَزْلِ. 

والأبيات مفخرة للمرأة العربية الجاهلية التي تأبى الضيم والعار، وتستحث قومها بأسلوب تتجلى فيه السخرية والاحتقار من الرجال الذين يرضون الدنية وهم أهل عزة وشرف، وتكرس طاقتها الإبداعية للنيل من هؤلاء الرجال غير الغيورين على أعراضهم، وتؤثر الموت على قبول العار. ويتجلى ذلك في استخدام الاستفهام في البيت الأول بواسطة الهمزة، ثم ربط علاقة مباشرة بين رجال قبيلتها في كثرة عددهم بنسائهم المضافة إلى كاف المخاطبين، في صورة يأباها كل ذي ضمير إنساني، ثم تكريس الطاقة الإبداعية كاملة إلى محاولة قلب الأوضاع في العلاقة بين رجال قبيلتها ونسائهم، فلو أنهن صرن رجالا فهل يقبلن بهذا الوضع المخزي، في إشارة منها جلية إلى تحريض الرجال بصيغة الجمع.

ويبلغ التحريض مداه في استخدام صيغتين للأمر المباشر(فموتوا أو أميتوا) ففي الحالين تبدو معادن الرجال، وأن لا مفر من الحرب على كل ظالم كعمليق أو غيره. ويأتي الخيار الثالث في الأمر الضمني بالنفي والخروج من طاعة القبيلة، وهو مر شديد القساوة على العربي الغيور على عرضه، المتفاني في خدمة قبيلته ونسائه.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى