أدب

الحرمان

 

تعقيبا على المقال الأسبوعي للناقد الأكاديمي الجليل أ.د. أحمد فرحات بعنوان “الحرمان” :
الحرمان له فروع كثيرة لكنه ينحصر في افتقاد الشخص لشئ هام في حياته ماديا أو معنويا؛ أصبح عسيرا بالنسبة له. والحرمان فلسفة وجودية يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور في هذه العبارة :”الحياة باختصار تكمن في مفهومين عظيمين: نقاوم ما نحب، ونتحمل ما نكره. وفلسفة الوجود يختصرها حيث تتأرجح الحياة بين ألم الحرمان وملل الإشباع، وباختصار يقول أيضا الحياة تتأرجح كالبندول بين الألم والملل” . والله سبحانه وتعالى له حكمة في الحرمان لو أعطى الله الإنسان الصحة حرمه من الرفاهية والمال، ولو أعطاه المال والرفاهية حرمه من الصحة فيقول في كتابه العزيز : “ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأَرض ولـكن ينَزِّل بقدر ما يشاء إِنه بعباده خبير بصير” بمعنى لو أعطانا الله وفق احتياجاتنا من الرزق؛ لسعينا إلى البغي والطغيان، فيجب أن تكون قنوعا، والقناعة هي أن ترضي بالعطاء الميسر لك فهي كنز لا يفنى. لقد جاء فرض الزكاة في أركان الإسلام لنشعر بكل من يتألم من الفقر والعوز ونمنح له ما يعينه على مواصلة الحياة؛ لأن الفقر أحد جوانب الحرمان، وكذلك الصوم ، نصوم لتشعر النفس بالحرمان لتعرف حرمان كل محروم على وجه الأرض، وأن نوفر ما نوفره في سبيل إبهار الحياة لبعضنا البعض؛ مثلا الأخطبوط الأم تعرض نفسها للحرمان تضحية منها، فهي تضع البيض، وتصوم كي لا تضطر لإلقاء الفضلات على البيض لأن الفضلات سوف تسمم البيض ويموت ما بداخله من نسل؛ لذلك تصوم حتى يفقص البيض بالنسل لتكوين العائلة.
الحرمان هو العسر، وعكس العسر هو اليسر ويقول الله في كتابه العزيز ” فإِن مع العسر يسرا .. إِن مع الْعسر يسرا .. فإِذا فرغت فانصب .. وإِلى ربك فارغب”
والحياة لا تنتهي من الأوجاع والآلام والحرمان . ندعو الله أن يحقق لنا آمالنا ونبتعد عن الجشع والطغيان .
أحييك دكتورنا الجليل على مقالك الشيق الذي أنعش فينا روح الإيمان، ورسخ في عقولنا المزيد من العلم والثقافة .

بقلم
الشاعر عباس محمود عامر
“مصر”

الحرمان
=====

بقلم
أ.د.أحمد فرحات
الناقد الأكاديمي المعروف

سر الأسرار في الحياة، فيه طعم القضاء ومرارة القدر، وعذاب النفس وألمها. أن يحرمك الله من نعمة أعطاها غيرك حكمة يعلمها موزع الأرزاق، ” إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ” الأنفال : 70
لا تقف عند عتبة غيرك ولا تنظر إلى ما وهبه الله من نعم، فالله يعلم ما في نفسك من تطلعات، ورغبات، وأمنيات، فالذي منعه عنك أعطاك خيرا منه فأعد النظر إلى ما في حوزتك ربما كانت نعمه عليك أثمن وأعلى وأغلى، فلا تطل النظر فقط اسجد واقترب. وكن راضيا بعطاء الله لك.
ليس من الحرمان نقصان المال أو الجاه أو المنصب أو الثمرات، إن الحرمان هو الوقوع في شرك التباغض والحسد والآثام ومعصية الخالق. الحرمان عندما تصفو لك الدنيا فتغتر بها.
وسالمتك الليالي فاغتررتَ بها.. وعند صفو الليالي يحدثُ الكدرُ
وقال الله تعالى محذرا : حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً. الأنعام 44.
إن أعظم الحرمان هو أن تطرد من رحمة الله فلا تراه في دنياك ولا أخراك. كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ . المطففين 15
ومما يسعد الإنسان رضاه عن نفسه ولا ينشغل بأحد فالناس لا يصفو ودها ولو أخلصت لهم وسوف يصيبك منهم كدر إذا أفنيت عمرك لهم فالإمام علي يقول:
” لنا قومٌ لو أسقيناهم العسل المُصفَّى ما ازدادوا فينا إلا بغضاً، و لنا قومٌ لو قطَّعناهم إرباً ما إزدادوا فينا إلا حُباً ”
السعادة الحق في السلوك السوي المستقيم؛ وليس في الالتفاف والاعوجاج والكذب على أهلك وأصدقائك، سئل الإمام أحمد فقيل له: “يا إمام متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة”.
ربما يتوب المرء عن المعاصي ثم يعود للإثم، ويكرره هنا وهناك، ويتباهى بإثمه ويسمي نفسه أو أحفاده أسماء دينية تدل على استقامته وهو ألد العصاة حتى تشم رائحته وهو رائح أو غاد .
أرى نارا تُشَبُّ بكل وادٍ لها في كل ناحيةٍ شعاع
فأولئك لا تُقبل توبتهم، وإن ملأوا الدنيا صيتاً وشهرة زائفة، وإن تحدث عن موته أو موتها، مرتزقة الفكر، وصعاليك الأدب: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ. آل عمران: 90
فلا تغتر بثوب العفاف الفاضح، فكم من عفة أفضت إلى شهوة، وكم من شهوة ألقت صاحبها في لنار!
كنت مشغوفا بكم إذ كنتم.. دوحــة لا يبلغ الطيرُ ذراها
وإذا مُدَّتْ إلى أغصانِها…. كفُّ جانٍ قُطِّعَتْ دون جناها
فتراخى الأمر حتى أصبحت .هَمَلا يطــمع فيها من يراها
لا يراني الله أرعى روضةً . سهلة الأكناف من شاء رعاها
لا تظنوا بي إليكم رجعةً .كشف التجريب عن عيني عماها .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى