كتب : طه حسين الجوهرى – البحر الاحمر
حقا انها مصر يا سادة، صاحبة السبق والريادة حيث تعتبر مصر من أقدم دول العالم في إقامة حجر صحي عبر الموانئ المصرية حيث لا يعلم الكثيرون أن انشاء حجر صحى فى مصر عبر المنافذ للكشف على القادمين من خارج البلاد كان منذ قديم الأزل فمنذ ٢٠٠ عام أو أكثر من ذلك بقليل ، أقام محمد على باشا، «كورنتينة القصير»، لحجز المشتبه فيهم بالعدوى، من القادمين عبر ميناء القصير البحري، لتكون هذه الكورنتينة أقدم مكاتب الحجر الصحي في مصر، غير أنها، وبمرور الزمن، تحولت إلى «خرابة» تعاني الإهمال لعدم تنفيذ أي مشروعات لترميمها، حتى الآن. فمع بداية ومنتصف ثلاثينيات القرن 18 انتشر وباء الكوليرا في مصر، ووصل عدد ضحاياه إلى أكثر من 150 ألف نسمة، واجتمع قناصل الدول الأوربية في الاسكندرية خوفاً من تسرب الطاعون للدول الأوربية بالإسكندرية وشكلوا فيما بينهم مجلساً للصحة، وكان هذا المجلس يهيمن على الأمور الصحية، ويشرف على إنشاء معازل؛ حيث قام بفرض معازل وأماكن حجر صحي في مواني دمياط ورشيد والعريش لمنع انتشاره إلى دول أخري.. وكلمة كورنتينه مأخوذة من الإيطالية quarantine بمعنى «40»، حيث كان القادمون من الخارج، خصوصا الحجاج القادمون من الأراضي الحجازية المارين عبر ميناء القصير البحري، ممن يشتبه في مرضهم يحجزون في الحجر الصحي 40 يوماً حتى تثبت سلامتهم من الأمراض الوبائية، بعد تحصينهم ضدها، وعزلهم صحيا حيث كانت القصير في هذه الفترة عامرة بالمقيمين والوافدين ومرور وفود الحجاج عليها ذهاباً وإياباً في موسم الحج وبها عدد كبير من التجار وأصحاب المهن والحرف ومرور عساكر الهجانة إلى الأراضي الحجازية، كل ذلك دفع محمد على لإنشاء مبنى (الكورنتينة) لعزل الحجاج إن ظهرت عليهم الأمراض المعدية. استغل محمد علي أحد المباني القديمة في المدينة والتي كانت تستخدم لتشوين الغلال والتي بنيت في عهد السلطان العثماني سليم الثالث على مساحة تربو على خمسة آلاف متر وسط المدينة عام 2012 هـ. عام 1797 -1798م، وهو العام السابق لمجيء الحملة الفرنسية كما كان مدون على لوحة خشبية أعلى الباب الرئيسي. إلا أن أحد الجاهلين بقيمة التراث قام بطمس الكتابة منها كما يذكر الأستاذ كمال الدين حسين. فأضاف محمد علي لهذه الشونة بعض الأبنية. ولكن ليس لتشوين الغلال، وإنما لتستخدم كغرف للحجر الصحي، أو كما هو معروف في القصير (الكرنتينة أو الكورنتينة) وكان وراء ذلك عدة أسباب أهمها: – 1- انتهاء أمر الميرة العثمانية التي كانت تذهب للحجاز 2- كثرة الواردين من الخارج القادمين للحج من دول شمال افريقيا والمغرب العربي الذين يشتبه في مرضهم فكان يتم حجزهم فى الحجر الصحي حتى تثبت سلامتهم من الأمراض الوبائية. 3- ظهور بعض الأمراض المعدية على القادمين من الحج. حيث تذكر الوثائق أنه وفي 2 محرم 1253هـ الموافق 1836 م أصدر محمد علي باشا أمراً إلى وكيل الجهادية أنه قد ظهر الريح الأصفر بجهات الحجاز، فأمر إيفاد نفر عارفين بأصول الكورنتينة لحفظ ووقاية أهل القصير. وكانت الكورنتينة تحتوي على مكان لإقامة المرضى ومكان لمؤن من الطعام، وكان لازما على المسئول عن ذلك المكان أن يوفر ما يلزم لإقامة المرضى ، وهناك وثيقة بتاريخ غرة صفر 1275 هـ /1858م، حوالي تشير إلى انه كان يقيم بها 87 من المرضى إضافة إلى مجموعة من الفقراء أو «المقاطيع» وعابرو السبيل الذين لا تسمح حالتهم بالإقامة في الأحواش، والتي كانت بمثابة فنادق ربما كانت أسعارها ليست في متناولهم، وعند خروجهم كان يصرف لهم من المؤن و«البقسماط»، كما أمر محمد علي بتعيين عدد من الحراس الأشداء لحماية الأطباء والممرضين والمرضى من اعتداءات اللصوص، وكذلك لمنع محاولات بعض المرضى من الهروب والاختلاط بسكان المدينة ، وكذلك دفع أجرة لهم لتوصيل الحجاج إلى بئر عنبر في قفط. ويعد الطبيب الألماني «كارل بنيامين كلو سنجر أبرز الأطباء الذين عملوا بالحجر الصحي في القصير في عهد الخديوي إسماعيل وبالتحديد في عام 1864، حيث عمل به لمدة عشر سنوات في مستشفى صغير تم اقامتها في عهد الخديوي عباس باشا الأول فى 15 رمضان 1270هـ، حيث كلف محافظ القصير حسن بك فتحي في ذلك الوقت بشراء منزل لعمل إسبتالية «مستشفى»، واشترى منزل «أحمد حسين عمر زين» بجوار ساحل البحر، بمبلغ ثلاثة آلاف قرش، وأربعة عشر قرشاً ونصف، صرفت من خزينة القصير. وترجع أهمية هذا الطبيب لأنه يعد أحد كبار المؤرخين الغربيين الذين قاموا بتوثيق وتدوين فترة اقامته بمصر في كتاب يحمل اسم” Upper Egypt: Its People and Its Products” كما قام برسم خريطة لمدينة القصير تعتبر من أهم الوثائق التاريخية والجغرافية للمدينة ويذكر الأستاذ وصفي تمير أنه ألحق بمبني الشونة في عصر الوالي سعيد باشا (1854م/1863م) مبني جديد من الحجر متصل بالمدخل الرئيسي القبلي للشونة، وهو عبارة عن صالة كبيرة بها حجرتان، أحدهما صغيرة والأخرى كبيرة، بها باب يفتح على حوش الشونة. وفي وقت لاحق أضيفت للشونة بعض المباني واتخذ المبنى مقراً للحجر الصحي، ومن هنا يسميه البعض خطأً بالمحجر العثماني ويوجد بداخل الشونة مسجد يسمى مسجد السمان، وبداخل مسجد السمان على المنبر الخشبي تعلق عليه لوحة مكتوب عليها (بسم الله الرحمن الرحيم -ادخلوها بسلام آمنين – جدد هذا المسجد المبارك حضرات المكرمين أهالي القصير ونخص بالذكر الشيخ عبد الله حسن مقيشط والشيخ إبراهيم شاذلي والشيخ توفيق على مصطفى والشيخ حمزة سلمى والعمدة علي موسى تميرك والوجيه إبراهيم أفندي عياد وهذا بعناية حضرة الصاغ عبد العزيز أفندي فهمي يوسف مأمور البلد وذاك فى25رمضان1353هـ/1يناير1935م. وأعيد تجديد فى 30رجب1406هـ/10أبريل1986م) ويصف تمير المسجد فيقول: “والمسجد مستطيل الشكل طوله 30,10م من الجنوب إلى الشمال، وعرضه 7،10 متر من الشرق إلى الغرب، يتوسطه عمودان لهما قاعدتان مربعتان، ويحملان سقف المسجد. والجهة القبلية بها أربعة نوافذ، منها 2 عليتين و2 سفليتين، وعلى يسار الداخل فتحة باب بها سلم يؤدي إلى مئذنة المسجد الأسطوانية من الحجر. وبالمسجد محراب، ومنبر خشبي على يمينه من أعلى شباك مربع الشكل، وفي الجهة البحرية نافذة صغيرة تطل على فناء الشونة من الشرق، وبالمسجد دكة (مبلغ) للإمام في الصلاة ملاصقة للجدار الشمالي. وكان السمان مؤسس المسجد ذلك اليمني- رحمه الله – الذى أخذ على عاتقه مهمة مصاحبة الحجيج من القصير إلى مدن الحجاز والعكس، واقتطع جزء من شونة الغلال (الكورنتينة) لإقامة مسجد متاخم لها، والذي مازال البعض مُصر على عمارته بإقامة الصلوات الخمس فيه. ويقول تمير ” رغم بناء مسجد السمان الجديد مازالت أبواب المسجد القديمة موجودة داخل الكورنتينة، والطريف أن هذا المسجد يليه باب عتيق مؤدٍ إلى غرفة كانت مخصصة للتخلص من جثث ضحايا الأوبئة، خاصة الكوليرا، حيث توضع جثة المتوفَى في تلك الغرفة، وتُغطى بالجير السلطاني لتتآكل تماماً، ولازالت نفس الغرفة تنبعث منها رائحة غريبة حتى اليوم. ” التعليقات
29 مايو، 2020
309 4 دقائق