أدب

المقامات

تعقيبي على المقال الإسبوعي للناقد الأكاديمي الجليل أ.د.أحمد فرحات بعنوان “المقامة الساخرة “

بقلم 

الشاعر.عباس محمود عامر

“مصر”

المقامات جنس أدبي ظهر في العصر العباسي بعد ظهور الإسلام .. أخذ من الشعر سجعه ومن النثر مفرداته .. والمقامة هي حكاية مبسطة تطرح في المجالس بعرض موضوعات هادفة من النقد الاجتماعي .. تحمل في طياتها الحكمة والعظة والدروس المستفادة من مواقف مضحكة ساخرة أو مبكية .. تهدف للنصح والإرشاد بأسلوب ساخر أو مأسوي فلا يمل القارئ منها إطلاقا لأنها مستحبة في عرضها الشيق.

 بديع الزمان الهمذاني أول من ابتكر وكتب المقامات ..كتب المقامة الكوفية والمقامة الأسدية والمقامة الأزادية والمقامة القرادية ..كتب الهمذاني المقامات بشخصية عيسى بن هشام .. وهو شخصية خيالية تروي المقامة للمتلقي في قالب ساخر يعطي درسا من الوعظ في أمور الدنيا والدين .

 اعتقد أبي الحسين أحمد ابن فارس أنه أول من كتب المقامات وأن بديع الزمان الهمذاني قد اشتق منه هذا الجنس الأدبي .. لكن لم يذكر حتى الآن الرواية الحقيقية لهذا الشق.

   ما نعرفه أن أبو القاسم الحريري الذي أصدر مقامات الحريري المعروفة اتبع الهمذاني في هذا الشكل الأدبي وكان من تلاميذه ..وكان أيضا من تلاميذ الهمذاني في المقامة العربية أبو القاسم الزمخشري .. وابن الجوزي الذي كتب مقاماته الجوزية بأسلوب صوفي .. والصفدي الذي فقدت مقاماته مع مرور الزمن .. وابن الناقيا البغدادي الأصل الذي قيل عنه أنه سريانيا .. كتب مقاماته العربية بعبارات رنانة بأسلوب يبتعد عن النقد .

انتشر أدب المقامة فظهرت المقامات الأندلسية على يد أبو حفص بن شهيد، وأبو مطرف عبدالرحمن بن فتوح .. والمقامات الفارسية التي كانت تشبه المقامة العربية في تقليدها لكنها كانت مختلفة طبقا للطبع الفارسي .. فكتب المقامة الفارسية الفارسي قاضي البخ حميد الدين أبو بكر محمد البلخي .

 استمر انتشار هذا الجنس الأدبي في العصر الحديث .. وكان أحمد فارس الشدياق من شعراء المقامات في عصره .

 نفاجئ بالأستاذ د. أحمد فرحات يقدم الكاتب السعودي محمد الراشدي .. الذي كتب المقامة في عصرنا الحالي بأسلوب جديد يختلف تماما عن الصيغة التقليدية .. تأثرت مقاماته بتأثرات ومصطلحات حديثة في عصر الإنترنت .

لكل مقال مقام .. يظهر فيه مقام قلمك الرائع دكتورنا الجليل .. الذي بدا نبراسا للعلم والمعرفة والثقافة والأدب .

=====================

المقامة الساخرة 

==========

بقلم 

أ.د.أحمد فرحات 

“مصر”

تخطى الكاتب السعودي محمد الراشدي نمطية الشكل والمضمون في المقامة التقليدية القديمة، أو حتى المعاصرة له، فقد أدخل عليها بعض المصطلحات العصرية المستحدثة من عالم الفيسبوك.

أو تويتر أي أنه تجاوز اللغة الخشنة المتوارثة في المقامة، وأعرب عن لغة عصرية تيسر له عملية التلقي لدى قطاع عريض من الجمهور.

وهو بهذا يرسي ملامح فن جديد غير منقطع الصلة بالتراث ويحمله مضامين فكرية معاصرة تثري الذائقة العربية ذات الانتشار الأوسع.

ومن مقاماته الساخرة:

حديث الدرداش بن شات قال:

دخلت يوما على الضحاك بن ضروس في مجلسه، وهو عاكف على محادثة في المسنجر، ومن حوله تلاميذ له ينتظرون فراغه، وكان لي عنده حظوة؛ فدنوت منه وقبلت رأسه ثم قلت:

– يا أبا غزل: ما تقول في(ههههههه)؟

قال الضحاك: وما(ههههههه)؟!

قلت: يا أبا غزل إن الرجل منا يكون عاكفا على الدردشة ثم تعرض له الضحكة فما يحسن أن يفصح عنها إلا أن يكتب(هههههههه)

فأطرق الضحاك مليا، ثم رفع رأسه وقال:

فيه تفصيل، فإما أن يكون محادثك رجلا أو امرأة؛ فإن كان رجلا فإنه لا يخلو أن يكون من العلية أو من السوقة.

فإن كان من السوقة فلا يحسن بك أن تضاحكه بـ (ههههههه)، وأرى أن العدول إلى(كخخخخخ) هو أليق به وأحسن.

وإن كان محادثك من العلية فاضحك معه مقتصدا، وليكن عامة ضحكك معه(هههههه)، ولا تزد في مجموع الهاءات عن أربع، ولتكن ضحكاتك بين الثنتين إلى الثلاث على الأكثر.

فإن كنت تحادث امرأة وكانت من عامة الأصدقاء فلا فرق بأي الألفاظ كنت تضاحكها ، إلا أن يكون قد وقر في قلبك لها حب وآنست منك ميلا.

فإياك و(هههههه) فإنها تهبط بمقامك عندها و تسفل بقدرك حتى ما يرجى لك بعده العلو.

ثم دنا الضحاك مني.

وقال: ألا أخبرك بلطيفة في هذا الباب؟قلت متلهفا: بلى يا أبا غزل.

قال: إن للنساء ولعا بالوجوه التعبيرية، ولها في أنفسهن وقع؛ فانتخب منها لضحكاتك وأحسن في انتخابك فإنها ما تلبث أن تنقاد لك و تعلقك حتى لا ترى لك في الظرف مثيلا!

قال: ثم قطب الضحاك حاجبيه وقال: فإذا كتبت لإحداهن(هههههه) فلا تعجل بإرسالها حتى تتأكد من سبك الحروف واتصالها ببعضها؛ فإنك إن كتبتها مفرقة لم تأمن سوء الظن.

ولبعض النساء في ذلك من قبح الطوية ما يعدل بالكلام عن مراده و ينحرف به إلى مالا يحسن ذكره .. والله المستعان!.

أما عن تلقي مقامات الراشدي فقد تلقاها النقاد بحفاوة بالغة ليس من منظور قيمتها الفنية أو تناولها النقدي بل من منظور الروح الفكهة التي تميزت بها، وتوافر عناصر السخرية التي سرت بين جنباتها.

فقال عنها د. عبد الله الغذامي في مقدمته لها:” فقد وقعتُ في مخاتلة نصوصية في مداهمات متصلة بين ضحك لم أسيطر على نفسي معه.

وبجانبه غضب من بعض العبارات، واختلطت علي المتعة الوجدانية التلقائية مع الغضب المتعلقن ضد الترميزات و الإحالات التي سيقول الناقد من داخلي إنها نسقية تختال لنفسها عبر قناع النكتة و اللفظة المجازية”.

**********

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى