أقلام القراء

بالعمل يأتي الرزق

كتبت :  دعاء نور

إن كل دعاء نور لابد له من سبب، والله أمرنا بفعل الأسباب ثم التوكل عليه تعالى، وهو الذي قال: {وهزي إليك بجذع النخلة} ولو شاء لأعطاها من غير أن تهز، ولكن كل شيء له سبب، فالإنسان عليه أن يفعل الأسباب ثم يتوكل على الله ويرضى بما يقسمه الله وما يقدره الله تبارك وتعالى، الذين يظنون أنهم كسبوا بعملهم وأنهم إذا عملوا سيكسبون دون أن يقولوا إن شاء الله، دون أن يتوكلوا على الله، أيضًا هذا خطأ، ولذلك قارون قال: {إنما أُوتيته على علم عندي} نسي توفيق الموفق، فكان الجزاء {فخسفنا به وبداره الأرض}.

وقد قيل ان ترك الأسباب جنون، يعني الذي يريد أن ينجب أولاداً دون أن يتزوج مجنون، الذي يريد أن يحصد دون أن يزرع مجنون، فلابد من عمل، ولابد من بذل للأسباب، ولابد من أن يتحرك الإنسان، فإن الله قال: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} فإن الله قال: {فإذا قضيت الصلاة} لم يقل اجلسوا في البيوت يأتيكم الرزق، وإنما قال: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تُفلحون} فما ذهبت أنت إليه هو الصواب.

إن الله هو الذي قسم الأرزاق وكتب لكل نفس رزقها وأجلها، ولكنه ما قال لنا اقعدوا حتى يأتي الرزق إليكم، بل قال لنا امشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، ومع السعي يأتي الرزق، فبمجرد انك خرجت من بيتك سعيا يكون بين يديك رزقك، فقط عليك بالسعي، والله جل وعلا شرع لنا الكسب وأمر بالكسب وكره البطالة والتعطل من العمل وكره المسألة أيضا إلا من عاجز مضطر يقول سبحانه: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ” [الملك:15]، فجعل الأرض ذلولًا مهيأة ممهدة مسهلة مذللة لكم تمشي عليها على أقدامك وعلى مركوباتك من دواب وغيرها تطلب الرزق، فهي مذللة تمشي في مناكبها لطلب الرزق، تسافر على قدميك على سيارتك على دابتك، تطلب الرزق احتشاش احتطاب صيد تجارة إلى غير ذلك، وبين، أن بعض العباد يضرب في الأرض يبتغون من فضل الله، وآخرون مرضى، وآخرون يقاتلون، كل ذلك يبين لعباده أن عليهم أن يتصرفوا ويعملوا، “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ” [الجمعة:10] لطلب الرزق، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لما سئل أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، فعمل الرجل بيده من أطيب الكسب، يكون نجارًا خرازًا حدادًا زراعًا إلى غير ذلك، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري في الصحيح: “ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود، كان يأكل من عمل يده”، وهكذا الأنبياء يأكلون من عمل أيديهم، كان نوح نجارًا، وكان زكريا نجارًا، يعملان ويكدحان، وكان داود أيضًا حدادًا يصنع الدروع ويأكل من ثمنها، هكذا بقية الصنائع: خياط، كاتب، إلى غير هذا مما يحتاجه الناس ويترتب عليه الرزق، وهكذا التجارة، وهكذا الزراعة، وهكذا أنواع المكاسب المباحة، حتى يستغني الإنسان عن الحاجة إلى الناس، أما السؤال فهو شر إلا عند الضرورة، وما قاله الله سبحانه وتعالى في السائل: “وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” [الذاريات:19] هذا السائل المحتاج، أما السائل الذي قد أغناه الله ليس له أن يسأل، بل هو ظالم لنفسه في سؤاله، إلا إذا عجز لمرض أو …، أو عدم وجود مكاسب، فحينئذ يساعده إخوانه ويواسونه حتى يجد مكسبًا، أما السؤال فأصله لا خير فيه ذل ومهانة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: “لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم”، متفق عليه، وإذا سأل الناس تكثرًا وهو عنده ما يغنيه فقد أتى جريمة، قال عليه الصلاة والسلام: “من سأل الناس تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر” رواه مسلم في الصحيح، هذا يسأل وعنده ما يغنيه، عنده كسب، عنده وظيفة، عنده عمل فيشحذ الناس يشحذهم في الحقيقة نارًا يعذب بها يوم القيامة، نسأل الله العافية، وقال عليه الصلاة والسلام: “لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجه خير له من سؤال الناس اعطوه أو منعوه”، وقال: ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس هذا المسكين العاجز المتعفف، أما الذي يجد الرزق فهذا ليس بمسكين، والطواف إذا كان مضطرًا فهو مسكين لكن ذاك متعفف أشد مسكنة وأفضل بأن يعطى من هذا الطواف، الطواف يجد حيلة، وبعض الناس ليس لهم حيلة.

ومما لا ريب فيه ان ما خلق الله حيّاً من الأحياء، إنساناً ولا حيواناً، إلا تعهد له برزقه، فينبغي للمؤمن أن يحرص على الكسب وطلب الرزق بالوسائل المباحة التي أباحها الله وأحلها وليحذر السؤال إلا من ضرورة كما بينه النبي عليه الصلاة والسلام

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى