أدباخبار عاجلةالوطن العربيتحقيقات و تقارير

راودني طيفه منذ زمن فحاكت الأقدار شرنقة اللقاء.. فكنت أمامه وجها لوجد عن سابق عاصفة…

للروائيه السورية : ضحى أحمد

**** بين سروتين ****

التقيته في أكثر الأماكن توقعا للصدف.. كحدث مرتب بعناية.. بدا طاغيا”كبحر.. آسرا كلون الغروب…
يشرد الضوء من أنامله غيوما وفرسانا.
عرفته قبل اللحظة الأولى، أنا السجينة بفكري الشرقي، المسورة بتوصيات أمي ولون تفاحها، المعتمرة تاج الشوك في مضائق الجلحلة.
التقت عيناي بعينيه في حقول الخفر ونصف الاشتعال.
كان يتجول في المكان بخفة لون مضيء في لوحة.. لاينخرط بطقوس أو مراسم أو أوسمة.
يجس مريضة مقرورة، يلامس جبهة طفل، يلثم خد عجوز، يلف المكان بسحره وجلاله.
كنت أعرفه أو أتوقع ذلك…
انجذبت إليه بكل ما أوتيت من إرادة… تعلقت به لحد العبق .
ليست قصة غريبة أو غير مألوفة أو متوقعة أن تهاجمنا النهايات في ذروة عشقنا للحياة.
لكن المدهش تفاصيل ذلك الارتباط أو الالتصاق والتماهي.
يومها عدت إلى البيت بخطوات ثقيلة معفرة بروائح الضباب.
تجنبا للمواجهة اختصرت الكلام إلى أدنى مستوياته، عانقني زوجي بود سحيق، طوقتني كلماته ونبرة صوته الهادئة وثرثرات أطفالي لون ضحكاتهم الصغيرة.
لكنك كنت حاضرا بيننا… رأيتك في تفاصيل التفاصيل تعرش على كروم حياتي فقد صرت ضمن مدارك كوكبا اكتشف حديثا أو شهابا يحترق.
كنت أخاف أن يلمحوك في ملامحي، فأهرب من نظرات زوجي التي اخترقت روحي..
ذلك الرجل الذي اخترته عن سابق عاصفة.. وأقسمت له تحت الشمس والريح والانواء أن أبقى معه بالرغم مما سيعتريه من زجاجات دواء ومشية مجعدة .. وسيبقى في ذاكرتي شابا جديدا لا تهزه أمواج العمر ولا تطاله رياح السأم.
كيف سأخبره أني سأغدر به في عقر الاشتياق والربيع.
هل سيفهم اكتشافي وحدة قياسية مبتكرة للحب غير الامتلاك والبقاء..؟
هل سيسامح تعلقي بك لهذا الحد؟
ماذا عساي أن أقول عن لقائنا؟ عن رغبتي بمرافقتك..، وعن نصل نظرتك المغروسة في ذاتي ولغتي وسكناك بين الأعصاب؟
هل سيطرب لأغنيتي المغسولة بالدمع والصديد؟
وأبدأ بتمثيل دور الزوجة وأعرف أنني ممثلة فاشلة لا أقنع نفسي فكيف سواي..
أسمع وقع خطواتك في انتحاب جارتنا لسفر ابنها إلى ملكوتك..
يباغتني صوت صغيري ينادي (ماما) ألن تحكي لي قصة قبل النوم؟
يركض إلي يرتمي في حضني كقمر في قلب بحيرة.
يطوقني فأحس ذراعه نارا في بيدري اليابس… أحمله إلى سريره متأرجحة بين ذاكرة مهتاجة ونسيان مطلق الخريف.
أحاول أن أحكي له قصة لقائنا.. أتراجع وأتوسد الصمت بكل عجرفة الأمومة..
كيف سأخبره أني سأغادر إلى مرفأ آخر، وأن نوارسي ستطفق فوق بحر جديد؟
كيف سأقنعه أني أؤمن بملوحة الأهداب. وأن بوصلتي صار لها سمت آخر؟
كيف سأخبره أن خطواتي ستألف طريقا غيره.. وأن دروبي تعشق عطرك ولا أملك لقدري تبديل؟
هل اجرؤ أن أكلمه أن أمه سترسو في جزيرة لا تتمنى أن تلقاه فيها، وستصلي أن يطول انتظارها لاحتضانه ، وستأمل بالمستحيل ألا تلاقيه في محطتها أبدا.
أصمت ويتدحرج قلبي كقمر وقع وتشظى آلاف الكلمات والذكريات والآثام الصغيرة.
تذكرت إحدى صديقاتي وكلامها عن قوس قزح أنه يغير المفروض، وتمنيت أن تتباعد السموات بقوس إلهي أسير تحته فلا أزور ذلك المشفى ولا ألقاك ولا أكتشف موعد الرحيل.
في لقائنا الثاني كنت بهيا كدرب جبلية تفضي إلى البحر وتشعل الأشجار ورقا واخضرارا ..
كنت حاسما كاليأس النابت في أعماقي سنبلة تائهة التقطتها الريح.
وقفنا كإشارتي تعجب بين زمنين يمتد العمر بينهما آلاف المساحات الشاسعة.
قفزت فوق رصانتي وحيائي وشمس الشرق التي كوتني منذ الصغر.
أخبرتك عن مواقفتي بل ورغبتي في مرافقتك، لكن امنحني بعض الوقت لأرتب تفاصيل غيابي أو لأعبث بحياتي وأوراق التقويم.
واتفقنا أن تزورني كل مساء لنناقش الأمر…
على وقع البخور المسائي الطاغي كنت تأتي شفافا ومترفا بالغموض.
نجلس لساعات نبوح بدمع يرفل الجفن، تمسح بيدك ملوحة الجسد المتشظي، وتشرب قهوتك المرة وتغادر بخفة الأثير.
وأنتظرك في اليوم التالي..، وتأتي نتحدث عن كل شيء إلا ما اتفقنا الحديث عنه.
أكلمك عن طفولتي وضفائري، عن أقلامي الملونة ودفاتري، عن جدتي وأسماء الصديقات، الكتب التي أحب،
رائحة العطر المفضلة.. أشد الأمور سرية لم أكن محرجة بالبوح عنها.. فأنت لست كسواك..
منذ الصباح و أنا أنتظرك دون موعد أكتب لك هذه الكلمات لأبدد انتظاري ولأكسر شوقا يستطيل انكسارا للضوء على الخلجان الرمادية.
احسك تقترب… أشعر بك تتقمصني..
ويكبر السؤال معاندا كل احتمالات الإجابة.
هل سيسامحني زوجي؟
هل سيغفر لي أبنائي؟
ألن يخيب ظن آبي؟
ألن ينكسر قلب أمي؟
بما سيفكر إخوتي؟
وماذا عن الأصدقاء؟
هل سيفهمون أنك ملاذي ولطالما كنت ملتصقا بي؟ هل سيفهمون أنك غير مايعرفون أو يسمعون أو حتى يتوقعون؟ هل سيعذرون خطواتي المسافرة إليك؟
ليس مهما كل هذا… حسبي أني أمتشق ذراعك الآن.. تحملني إلى ملكوتك بثوب زفاف هو كفني أسير بنعشي إليك… نرتقي على وقع الأصوات
( سبحان الحي الباقي الذي لا يموت)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى