أدب

الغيرة

 تعقيبي على المقال الإسبوعي للناقد الأكاديمي الجليل أ.د.أحمد فرحات بعنوان “غيرة” :

      الغيرة مشتقة من التغيّر، والتغيّر يأتي بإشارة من الروح للقلب عن موقف معين يعصف بها فيهتاج القلب.

  من لا يحب لا يغير، والغيرة صفة من كمال الحب سواء لدى الرجل أو المرأة.

خلق الله حواء من ضلع آدم الأيسر؛ الذي به القلب لأن القلب أداة الروح في الحب؛ لذلك الغيرة محلها القلب بإشارة من الروح تتحرك بغريزة الحب .

  كما أن الغيرة تعبر عن النخوة عند الرجل لأنها تمس الكرامة والرجولة، وتعبر عن التملّك عند المرأة؛ لأن حواء جزء من آدم، فهو ملكها لا ينازعها فيه أحد؛ لذلك المرأة تعشق رجلا واحدا .

   قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «إِن الله يغار وإِن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّمَ عليه».

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يأكل تفاحا ومعه امرأته فدخل عليه غلام له فناولته تفاحة قد أكلت منها فأوجعها معاذ ضربا .

 وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه كان شديد الغيرة لم يتزوج إلا بكرا وما إن طلق امرأة لا يستطيع أحد أن يتزوجها بعده .

كما أن عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، حينما خرج النبي من عندها ليلًا، قالت: غرت عليه، وحينما عاد وجد وجهها متجهما قال: ما لك؟ يا عائشة أغرتِ؟ فقالت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ .

والغيرة تنطلق من حب الروح في أي زمان ومكان؛ مهما تغير المكان وطالت المسافات وتبدلت الثقافات والأزمان؛ لم ولن تتأثر حتى لو انهارت القيم الأخلاقية والمجتمعية؛ لأنها صفة مكملة لحب الروح، وحب الروح هو أول رسالة ربانية من قبل كل الرسل أنزلها الله بين آدم وحواء أيقونة في القلب لضمان استمرار الحياة، ولو ماتت الغيرة اختفى حب الروح .

أما الشك وسوء الظن؛ ليسا من شيم الغيرة ولكنها وساوس الشيطان بالنفس الأمارة التي تصارع الروح الجميلة؛ بعكس الغيرة التي تؤكد حب الروح إذا احتواها اللطف، وارتدت حزام الثقة؛ لكن لو خرجت عن القضبان دمرت الحب .

مقالك المائز دكتورنا الجليل أشعل نار الحب في قلوبنا، فتحركت النخوة وبرزت معالم الغيرة لتعلن أننا مازلنا بشرا أحياء تلهبنا المشاعر؛ لو تمسكنا بحب الروح .

الشاعر.عباس محمود عامر

“مصر”

================

غيرة

بقلم 

أ.د.أحمد فرحات

منذ أصابتنا المدنية وبريقها الزائف فقد النساء الحياء، وفقد الرجال الغيرة على النساء، فالتبس بنا وَهَنٌ وتهاونٌ وضاعت النخوة والمروءة ، حتى في الأماكن الجغرافية التي عهدنا عليها الغيرة على العرض والشرف، ودخلتها المدنية الخادعة، فانساق الناس معها غير مبالين بالقيم والمبادئ التي اعتادوا عليها.

فعن أسماء بنت أبي بكر: – تزوَّجني الزُّبيرُ، وما له في الأرضِ مالٌ، ولا مملوكٌ غيرُ ناضحٍ، وغيرُ فرَسِه، قالت: فكُنْتُ أعلِفُ فرَسَه، وأكفيه مُؤنتَه وأسوسُه وأدُقُّ النَّوى لناضحِه، وأعلِفُه وأستقي الماءَ وأخرُزُ غَرْبَه ـ يعني الدَّلوَ ـ وأعجِنُ ولم أكُنْ أُحسِنُ أخبِزُ، فتخبِزُ لي جاراتٌ لي مِن الأنصارِ، وكُنَّ نسوةَ صِدْقٍ، وكُنْتُ أنقُلُ النَّوى مِن أرضِ الزُّبيرِ الَّتي أقطَعه رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على رأسي وهي ثُلُثا فَرسَخٍ قالت: فجِئْتُ يومًا والنَّوى على رأسي فلقيني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومعه نفرٌ مِن أصحابِه فدعاني ثمَّ قال: ( إِخْ إِخْ ) -أي أناخ دابته- لِيحمِلَني خلْفَه قالت: فاستحيَيْتُ أنْ أمشيَ مع الرِّجالِ.

وذكَرْتُ الزُّبيرَ وغَيرتَه، وكان أَغْيرَ النَّاسِ قال: فعرَف رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنِّي قد استحيَيْتُ فمضى.

فجِئْتُ الزُّبيرَ فقُلْتُ: لقيني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعلى رأسي النَّوى، ومعه نفرٌ مِن أصحابِه فأناخ لأركَبَ معه؛ فاستحيَيْتُ وعرَفْتُ غَيرتَكَ فقال: واللهِ لَحَمْلُكِ النَّوى كان أشدَّ عليَّ مِن ركوبِكِ معه قالت: حتَّى أرسَل إليَّ أبو بكرٍ بعدَ ذلك بخادمٍ فكفَتْني سياسةَ الفرَسِ فكأنَّما أعَتقتْني.

احترمت أسماء غيرة زوجها، وأبت أن تركب مع الرسول الكريم. الآن نفتقد الغيرة في الرجال، ونراهم أشباه رجال ولا رجال، وعقول ربات حجال، ونرى عدم الحياء من النساء، تنشر بالفلاتر، وتغري الرجال، وتبيع نفسها، وتفقد حياءها، فتضيع البيوت، وتخرب النفوس، زمن عجيب!

عجب عجب هذا عجب بقرة تمشي ولها ذنبُ

لا تغضب يوما إن شُتمت والناس إذا شُتموا غضبوا.

يروى أن رجلاً مصريا كان يُتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ماريا)، فقال -رسول الله صلى الله عليه وسلم- لعلي : اذهب فاضرب عنقه ، فأتاه علي رضي الله عنه ، فإذا هو في ركيّ – أي بئر – يتبرّد فيها ، فقال له علي : أخرج ، فناوله يده فأخرجه؛ فإذا هو مجبوب ليس له ذَكَرٌ، فكفّ عليٌّ عنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنه لمجبوب ما له ذكر.

 وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ الله أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ» .

الغيرة غريزة طبيعية. فمتى دخلت قلب أحد خرجت الحقيقة من رأسه، وهي مسألة كرامة ومروءة ورجولة. والغيرة مقبرة أخرى. فقد تغار امرأة على رجل ولا ترضاه، تريده كالبيت الواقف لا لها ولا لسواها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى