أدب

الترصيع والتصريع

تعقيبي على المقال الإسبوعي للناقد الأكاديمي الجليل أ.د.أحمد فرحات بعنوان (الترصيع).

الترصيع والتصريع

===========

بقلم

 الشاعر.عباس محمود عامر 

“مصر”

     الترصيع بمعنى رَصَّعَ ..أي رَصَّعَ الثوب .. أي تجميل الثوب بالدنتيل وغيره .. أو وضع الجواهر أو الخرز وغيرهما بين حبات القلادة أو في طرفها . 

والترصيع في اللغة العربية..استخدام الحروف السجعية بين الكلمات التي تعد من المحسنات البديعية اللفظية .  

والترصيع ظهر في القرآن الكريم ببدائع السجع في أغلب السور والآيات منها قوله تعالى: (قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب) وقوله تعالى: (إِن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) وقوله تعالى: (إِن الأبرار لفي نعيم .. وإن الفجار لفي جحيم) صدق الله العظيم.

والترصيع في الشعر أن تكون أجزاء البيت أو السطر الشعري مسجوعة أو شبيهة بالسجع بحرف يجمع بين الكلمات في موسيقى داخلية تجذب المسامع نرى الشاعر المصري الراحل فتحي سعيد يبدع في الترصيع بحرف الميم في قصيدة “مصر لم تنم” :

“مصر لم تنم

 ماخر سورها العتيد ما انهدم

 ما انهار شعبها العظيم ما انهزم 

ولم يزل مزودا بأعرق القيم

 متوج الأمل في الأرض كالهرم

 وفي السماء للذري وللقمم)

والترصيع يوجد أيضا في النثر ..نرى الترصيع في مقامات الحريري – فمن المقامة المراغية يقول (روى الحارث بن همام قال: حضرْت ديوان النظرِ بالمراغة. وقد جرى به ذكر البلاغة. فأجمع من حضر من فرسان اليراعة. وأرباب البراعة..)

أما التصريع يختلف عن الترصيع.. التصريع يكون في الشعر فقط فهو اتفاق القافية في البيت الأول بين الشطر الأول والشطر الثاني كما يقول امرئ القيس في هذا البيت :

(قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بِسقط اللوى بين الدخول فحومل

فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها

لما نسجتها من جنوب وشمأل)

ونجد أيضا التصريع في البيت الأول مع التقفية الداخلية في البيت الثاني في قصيدة الشاعرة المصرية الراحلة جليلة رضا تقول:

(تتساءلين لمَ القطيعة والجفاء لمَ الغضبْ ؟؟

أنا يا فتاتي لم أقصر في هواكِ بلا سببْ

لكنني بالأمس جئت أباكِ أستجدي النسبْ

إني طلبت يد الحبيبة ، من أب رفض الطلبْ)

في النهاية نقول أن الترصيع والتصريع هما من قبل الزخارف اللفظية التي تعد من المحسنات البديعية في أساسيات علم البلاغة العربية.

مقالك المائز دكتورنا الغالي .. يعطي لنا أهمية بالغة لعلم البلاغة العربية الذي يعد من العلوم الراسخة للأدب على مر العصور.. ولنعرف مدى مكانة هذا العلم في ثقافتنا الأدبية .

الشاعر عباس محمود عامر

“مصر”

=================

الترصيع

بقلم

أ.د.أحمد فرحات 

هذا المصطلح لم يأخذ حقه بالبحث والدراسة في الدراسات الأدبية الحديثة، وقد تضاربت الرؤى الفنية حوله قديماً، وتعريفاته في القديم بحاجة إلى(غربلة) وإعادة النظر، فابن الأثير الكاتب يقول عنه: ” ولم أجده في أشعار العرب لما فيه من تعمق الصنعة وتعسف الكلفة، وإذا جيء به في الشعر لم يكن عليه محض الطلاوة التي تكون إذا جيء به في الكلام المنثور.

ثم إني عثرت عليه في شعر المحدثين ولكنه قليل جداً “. قارن هذا الكلام، بكلام قدامة بن جعفر في كتاب ” نقد الشعر “: ” كما يوجد ذلك – أي الترصيع – في أشعار كثير من القدماء المجيدين وغيرهم، وفي أشعار المحدثين منهم ” ويضيف أن ” من الشعراء القدماء من قد نظم أبيات كثيرة منه ” لجودته. لست في مجال دراسة ظاهرة (الترصيع) عند القدماء بقدر ما أنا معنيٌّ بدراستها عند الشاعر عبد السلام هاشم.

والترصيع هو وسيلة من وسائل الموسيقا الداخلية تعتمد على إيقاع الألفاظ بطريقة تشبه السجع في النثر الفني، وقد ورد هذا المصطلح عند النقاد القدامى فذكره أبو هلال العسكري،و ابن رشيق القيرواني، وقدامة بن جعفر، وابن الأثير وابن سنان الخفاجي، وغيرهم؛ إذ ” يشكل الترصيع أو التجنيس الداخلي وسيلة مشابهة للقافية، وهو مثلها يلعب على الاحتمالات اللغوية ليستخلص منها تجانساً صوتياً.

والفرق بينهما أن الترصيع يعمل داخل البيت، ويشابه بين كلمة وكلمة، على حين أن القافية تعمل بين بيت وبيت ”

وقد عرّفه أبو هلال العسكري بـقوله:” هو أن يكون حشو البيت مسجوعاً “، ويعبر قدامة عن تلاؤم الترصيع مع باقي العناصر الفنية الأخرى بقوله: ” وإنما يحسن إذا اتفق له في البيت موضع يليق به “. وفي ذلك إشارة إلى وجوه جودته، ومعايبه. فالترصيع يجود إذا انسجم مع غيره من عناصر الصورة، و” يفقد سمة الجمال، ويصبح أمارة على التكلف، إذا افتقد علاقته بالسياق، واصبح مجرد طلاء زائف”.

تأمل قول الشاعر أسامة مهران:

أعرف أنكِ كاذبة

وتلفين بعقلي

آلاف اللفات

أعرف أنكِ باسم الحرية

تسترقين السمع

وتبيعين عليَّ

معسول الكلمات

وأنكِ رغم الخطأ الشائع/في خلوتنا

وفي أعتى ليالي/تطاولكِ على الحرمات

تنضيد الشعر وتنميقه غرض يسعى الشعراء إليه، وهدف يحمل في طياته ألوان التجميل والتزيين اللغوي، ومن ثم سعى الدارسون إلى دراسة الترديد،التجنيس، التدوير،التكرير، وغيرها من المحسنات اللفظية، ليضفي الشاعر على قصيدته بريقا وجمالا وتنغيما مصدره اللغة الشعرية، وقصيدة الشعر الحر ليست بمعزل عن ذلك، فقد اهتم الشاعر أسامة مهران بهذه المحسنات واستعان ببعضها

تأمل البداية غير التقليدية التي تشبه التصريع في الشعر كلاسيكي الشكل، أعرف أنك كاذبة وتلفين بعقلي آلاف اللفات، فقد تردد حرف الكاف بطريقة تلقائية في كلمتين متجاورتين (أنكِ كاذبة) ليظهر نبرا على المقطعين معا مع جهر الحرف وضبطه من الكسر إلى الفتح في تنغيم وانسجام تامين.

أما ترديد حرف الفاء أربع مرات في ثلاث كلمات متباعدة نسبيا (أعرف- تلفين- آلاف-اللفات) بما يشبه النقاط المضيئة في جملة معتمة، ليبرز الحرف عن طريق النبر في كل مرة يتردد فيها الحرف تاركا مساحة من التأمل للقارئ ليدرك بفطرته دلالة المعنى المراد بلا كثير عناء، وبأريحية في النطق والتأمل.

==========

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى