دين و دنيا

مع كتاب الله ج12 بقلم الشيخ موسى الهلالى

وأشار إلى عهدهم أيضا بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [3/187]؛ إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} الحق الذي لبسوه بالباطل هو إيمانهم ببعض ما في التوراة. والباطل الذي لبسوا به الحق، هو كفرهم ببعض ما في التوراة وجحدهم له. كصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها مما كتموه وجحدوه وهذا يبينه قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} الآية [2/85]، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما تقدم.
قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}، الاستعانة بالصبر على أمور الدنيا والآخرة لا إشكال فيها، وأما نتيجة الاستعانة بالصلاة، فقد أشار لها تعالى في آيات من كتابه، فذكر أن من نتائج الاستعانة بها النهي عما لا يليق، وذلك في قوله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [29/45]، وأنها تجلب الرزق وذلك في قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [20/132]؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة.
وإيضاح ذلك: أن العبد إذا قام بين يدي ربه يناجيه ويتلو كتابه هان عليه كل ما في الدنيا رغبة فيما عند الله. ورهبة منه فيتباعد عن كل ما لا يرضي الله فيرزقه الله ويهديه.
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} المراد بالظن هنا: اليقين كما يدل عليه قوله تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [2/4]. وقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [23/60].
قوله تعالى: {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} الآية ، ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقا يوم القيامة، ولكنه بين في مواضع أخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السماوات والأرض.
أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع. فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [21/28]، وقد قال: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر} [39/7]. وقال تعالى عنهم مقررا له: {فَمَا لَنَا مِنْ
شَافِعِينَ} [26/100]. وقال: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [74/48]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقال في الشفاعة بدون إذنه: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} [2/255]. وقال: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [53/26]. وقال: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} [20/109]، إلى غير ذلك من الآيات.
وادعاء شفعاء عند الله للكفار أو بغير إذنه، من أنواع الكفر به جل وعلا، كما صرح بذلك في قوله: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [10/18].
تنبيــه
هذا الذي قررناه من أن الشفاعة للكفار مستحيلة شرعا مطلقا، يستثنى منه شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في نقله من محل من النار إلى محل آخر منها، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح فهذه الصورة التي ذكرنا من تخصيص الكتاب والسنة.
قوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} بينه بقوله بعده: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} الآية .
قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ} لم يبين هنا كيفية فرق البحر بهم، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [26/63]، وقوله: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} الآية [20/77].
قوله تعالى: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} لم يبين هنا كيفية إغراقهم ولكنه بينها في مواضع أخر كقوله: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ، وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [26/60الى66]، وقوله: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُم} [20/78].
وقوله: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} [44/24]، وقوله: {رَهْواً}،
أي ساكنا على حالة انفلاقه حتى يدخلوا فيه إلى غير ذلك من الآيات.

والحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى