أدباخبار عاجلةكتاب و مقالات

قهوتي المعتادة

قصه قصيره 

للكاتبه السوريه / ضحى جهاد احمد

غرب خيبتي وإلى الشرق والجنوب من حنيني وضعت شاخصة رخامية أسميتها (أنت).
كنت أفكر في حصن إنساني منيع يجمعنا، يصد جيوش الموت والمجهول..
مكان نخلع فيه أقنعتنا غير آبهين للمطر العاصف في الخارج..
تذكرت اليوم إحدى الصديقات عندما وصفتني بفراشة نار تضيء احتراقها، وتذكرت أني طالما رغبت في ملامسة الضوء ولو لمرة.
في المقهى حيث اعتدنا الجلوس.. فتحت النافذة قلت في نفسي : سأدع الهواء البارد والمطر يدخلان فلم يأتي إلا عطرك..
أشتهي بشدة أن أعرف طعم الإستقرار؟
أن أعرف مذاق القهوة التي أحبها صباحا دون أن أحار إن كانت (دون سكر) أم غير ذلك…
أن أعرف عنوان بيتك دون خريطة مملوءة بعساكر القلق وجيوش الأشياء نصف المنسية…
أتذكر لقائنا الأول بعيدا عن سيناريوهات الشرق وترتيب المصادفات…
تلك اللحظة المتوهجة كما الشاي في أماسي الذاكرة..
سألتني عن اسمي وسألتك عن اسمك ولم ننتظر الإجابة كعرّافة تقرأ القدر لألف شخص بنفس التفصيل.. المهم أني لك وأنت لي.
حبك يتربص بي، أحتمي بصدرك لتسند أشجار روحي، فأراني ألتصق بك لتلون أوراق الشجر الخريفي وأزهار قلبي بدفء سري عذب..
لم أكن أعرف لما حدسي يخلع قناعاتي..
فرجل مثلك عندما يلتقي امرأة مثلي على الضفة الأخرى ينمو الفراق مترعا بالوجع…
كم كنت مواربا ومتوجا بروائح تبغك… تتحدث لساعات وساعات وكل ما تثرثر به يحتاج لومضة واحدة تكتب بالبروق والرعد أنك تحبني… تتحدث وأموت كل ساعة.
في ذلك المساء الرمادي، جلست بجوارك في السيارة التي شهدت أجمل تصاريح الحب المدهش..
كنتَ كئيبا بعض الشيء، وكنت متوهجة كثيرا..
سألتني لم الصمت يستوطن حنجرتي؟؟
أجبتك: فقط لا تخرج من ضلوعي؟
حينها كان القدر ينظم السير، يسمح لبعض السيارات بالعبور سالمة، ويقطب حاجبيه أمام أخرى، ويعبس ويزمجر أمام الجزء الآخر… وكنا نحن
قفزت السيارة كأرنب بري… لم أشعر بنفسي بعدها إلا في المشفى.
في واحدة من الغرف المقيتة بتروا رجلي وأحلامي ونبضك في دمي.
وقفتَ أمام باب غرفتي بوافر عافيتك تنتظر جسدي وجثة حبنا…
أحضرتَ لي الورود وغادرتَ إلى بلاد رجلي المبتورة..
كنتُ أعرف أن ما يجمعنا غريب الأطوار كأحد الناجين من مجزرة، وناشز كثوب أحمر على جسد راهبة..
والآن بعد عشر سنوات من رحيلك..
أجلس في المقهى ذاته أوقظ المطر ليحملك لي…
يسألني النادل : – هل أحضر قهوتك المعتادة؟
– هل تعرفني؟
يبتسم ويهز رأسه : – منذ أكثر من عشر سنوات.
وإلى الآن أحار ما طعم قهوتي المعتاده

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى