اخبار عاجلةالوطن العربيكتاب و مقالات

ضحايا ستوكهولم

روعة محسن الدندن/سورية
الجهل يجعلك تصدق كل مايقال لك لتقوم بترديده وفي كثير من الأحيان نعيش حياتنا مرضى ولا ندرك ذلك أو نعيش مع مرضى ولا نعلم ونحاول تفسير أمورا كثيرة ولكن جهلنا يمنعنا من فهم ما نراه أو نحلل بعض التصرفات ولماذا نشاهد بعض الناس تتعاطف مع معذبيها أو ظالميها
كيف تكون الضحية والمحب لمن يعتدي عليك؟
وكثيرا ما نجهل السبب وراء تصرفات الضحايا وتعاطفهم وتأقلمهم .وكيف تعتاد الذل؟ وإذا تم هروب الضحية تكون متعاطفة أو تكرر تصرفات المعتدي عليها أو من تعدى عليها
ولكن العلم والبحث والدراسة لكل ما يحدث من تصرفات يقوم بمحاولةاكتشاف النفس البشرية وسلوكياتها وطبيعتها
ليحللها ويعالجها بالعلم ليخبرنا أننا شعوب توقفت عن التفكير أو تنتظر من يقدم لها الحلول
لنتعرف على سبب تعاطف بعض الحالات مع المجرمين أو المعتدين على ضحاياهم كيف تتعاطف وتتعاون أحيانا مع عدوها أو تمارس نفس الأفعال
فهذه الحالات ليست حالات عادية لأن العقل البشري يرفض الظلم على نفسه وإذا لم يسامح فإنه سينتقم ممن اعتدى عليه
ولكننا إذا علمنا أنه أصبح شخصا مريضا فهذا يجعلنا نتقبل هذا التناقض الذي يمارسه الشخص الذي تعرض للإعتداء
ويفسر لنا حالات كثيرة تعيش حولنا وربما مجتمعات أيضا
فماهو هذا المرض الذي أطلق عليه متلازمة ستوكهولم

متلازمة ستوكهولم هي ظاهرة نفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف. وتسمى أيضاً برابطة الأسر أو الخطف وقد اشتهرت في العام 1973 حيث تظهر فيها الرهينة أو الأسيرة التعاطف والإنسجام والمشاعر الإيجابية تجاه الخاطف أو الآسر، تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه. هذه المشاعر تعتبر بشكل عام غير منطقية ولا عقلانية في ضوء الخطر والمجازفة التي تتحملها الضحية، إذ أنها تفهم بشكل خاطىء عدم الإساءة من قبل المعتدي إحساناً ورحمة. وقد سجلت ملفات الشرطة وجود متلازمة ستوكهولم لدى 8% من حالات الرهائن.
ويمكن اعتبار متلازمة ستوكهولم كنوع من الإرتباط الذي له علاقة بالصدمة، ولا يتطلب بالضرورة وجود حالة خطف، فهو ترابط عاطفي قوي يتكون بين شخصين أحدهما يضايق ويعتدي ويهدد ويضرب ويخيف الآخر بشكل متقطع ومتناوب
إحدى الفرضيات التي تفسر هذا السلوك، تفترض أن هذا الإرتباط هو استجابة الفرد للصدمة وتحوله لضحية. فالتضامن مع المعتدي هو إحدى الطرق للدفاع عن الذات. فالضحية حين تؤمن بنفس أفكار وقيم المعتدي فان هذه الأفكار والتصرفات لن تعتبرها الضحية تهديدًا أو تخويفا. وقد يطلق على متلازمة ستوكهولم خطئاً اسم متلازمة هلسنكي
أطلق على هذه الحالة اسم “متلازمة ستوكهولم” نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم في السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين Kreditbanken هناك في عام 1973، واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم.
السمات العامة
لكل متلازمة اعراض وسلوكيات تميزها، ولعدم الإتفاق على قائمة متكاملة من الأعراض لإختلاف آراء الباحثين والمتخصصين، لكن بعض العلامات لابد من تواجدها ضمن متلازمة ستوكهولم مثل
المشاعر الإيجابية تجاه المعتدي المتسلط
المشاعر السلبية للضحية تجاه العائلة أوالاصدقاء أو من يحاول إنقاذهم أو الوقوف بجانبهم.
دعم وتأييد سلوك وتفكيرالمعتدي
المشاعر الايجابية للمعتدي تجاه الضحية
سلوكيات ساندة للمعتدي من قبل الضحية واحياناً مساعدة المعتدي
عدم القدرة على المشاركة في أي سلوك يساعد على تحرير الضحية أو فك ارتباطها.
التاريخ
تسمى هذه النظرية بإسم مدينة ستوكهولم في السويد حيث وقع حادث سرقة بنك في آب عام 1973، وخلال عملية السرقة إحتجز المجرمون عدداً من موظفي البنك كرهائن لمدة ستة ايام، خلال فترة التفاوض مع السلطات. وخلال هذه المدة أصبح الرهائن متعلقين عاطفياً بالخاطفين، رافضين مساعدة المسؤولين، بل قاموا بالدفاع عن الخاطفين بعد إنتهاء الازمة.
تسمية هذه الحالة كان من قبل نيلز بيجيرو، المختص بعلم الجرائم والأمراض النفسية، حيث كان مستشاراً نفسياً للشرطة في وقت وقوع الحادث واشتهرت هذه التسمية عالميا بعد هذه الحادثة. وفي الأصل عرفها وبينها فرانك اوكبيرغ الاختصاصي بعلم النفس، للمساعدة في التعامل مع حالات الرهائن.
أسباب
تفسير متلازمة ستوكهولم طبقاً لـعلم النفس التطوري يفسر التعاطف والإرتباط مع الخاطف بأنه حل لمشكلة تعايش الضحية مع وضع تكون فيه مسلوبة الإرادة ومغلوبة على أمرها للحفاظ على حياتها وبقائها وهو معروف منذ أقدم العصور. فإحدى المشاكل التي كانت تواجه النساء في المجتمعات البدائية هي التعرض للخطف أو الأسر من قبل قبيلة أخرى، فخطف النساء واغتصابهن وقتل أطفالهن الصغار كان أمراً شائعاً وكانت المرأة التي تقاوم في تلك المواقف تعرض حياتها للخطر. وخلال فترات طويلة من التاريخ كان خوض الحروب واخذ السبايا أمراً طبيعياً وقد كانت السبية أو الأسيرة تتعايش وتندمج ضمن القبيلة التي أسرتها وتخلص لها. هذا النمط من الحياة ما زال معروفاً لدى بعض القبائل البدائية، وكذلك لدى بعض الثدييات المتطورة.
ومازالت هناك أنواع من العلاقات في الوقت الحاضر تحمل بعض السمات النفسية للإرتباط مع الخاطف أو الآسر مثل متلازمة الزوجة المتعرضة للضرب، والعلاقة خلال التدريبات العسكرية الاولية، وضمن الأخويات أو نوادي الرجال، وكذلك في بعض الممارسات الجنسية كالسادية والماسوشية أو الإرتباط والعقاب
نماذج
لا يوجد معيارعام متفق عليه لتشخيص هذه الحالة. لكن الأبحاث وجدت ترابطاً عاطفيا ًمع الخاطفين أو الآسرين في حالات مختلفة من العلاقات الإضطهادية مثل
الأطفال المعتدى عليهم
النساء المعتدى عليهن
المنتمون للطوائف الدينية المتطرفة
ضحايا اغتصاب المحارم أو ذوي القربى
سجناء المعتقلات.
ففي ألمانيا النازية في الثلاثينيات كان بعض اليهود ينادون بسقوط اليهود ومساندة سياسة هتلر.
وفي حالات الجرائم يشجع الضحية على هذا السلوك، فهو يزيد من فرص نجاة الضحايا. لكن المصابون به يكونون عادةً غير متعاونين أثناء عملية إنقاذهم أو التحقيق معهم.
ويمكن ملاحظة وجود بعض مميزات متلازمة ستوكهولم لدى ضحايا العنف في المواقف التالية:
المشاعر الإيجابية للضحية كالحب والشفقة تجاه المعتدي المتحكم
المشاعر السلبية للضحية كالبغض تجاه من يحاول تخليصها
وجود سلوك مساند من قبل الضحية لمساعدة المعتدي
عدم رغبة الضحية بالخلاص من المعتدي.
متلازمة ليما
هذه الحالة هي عكس متلازمة ستوكهولم، حيث يتعاطف الخاطف مع الرهائن.
وهناك عدة أسباب لظهور متلازمة ليما لدى الخاطف، ففي بعض الحالات يكون هناك عدة افراد مرتكبين للخطف، واحد منهم أو أكثر سيبدأ بالخلاف مع الآخرين حول ما يقومون به ويؤثر أحدهم على الآخر. كما قد يعيد الخاطف التفكير بالامر أو يتعاطف مع الرهائن
متلازمة ليما سميت بعد حادثة خطف حدثت في السفارة اليابانية في ليما عاصمة البيرو، في 1996 حيث قامت مجموعة تابعة لحركة عسكرية بإحتجازالمئات من الرهائن الذين كانوا يحضرون حفلة تقيمها السفارة اليابانية في مقر إقامة السفير. وخلال ساعات قليلة قام الخاطفون بإطلاق سراح معظم الرهائن وبضمنهم الشخصيات الهامة، بسبب التعاطف معهم
حالات مشهورة
هناك حالات من متلازمة ستوكهولم اشتهرت في وسائل الإعلام منها
باتي هيرست: وتعتبر الأكثر شهرة بين حالات متلازمة ستوكهولم، وهي من عائلة ثرية معروفة اختطفت في 1974 لغرض آخذ فدية من أسرتها من قبل مجموعة تدعي بأهداف سياسية، وبعد شهرين من احتجازها والإعتداء عليها تطوعت بإرادتها لمساعدتهم في عملية سرقة واستمر احتجازها لمدة سنة انضمت خلالها للمجموعة واعتنقت أفكارهم وشاركت معهم في جرائم السرقة التي يقومون بها، بعد ذلك ألقي القبض عليها وادانتها وحكمت بـ 35 سنة في السجن في عام 1975. لكن الحكم خفف عليها وأطلق سراحها في 1979 بعفو رئاسي من الرئيس كارتر. ويعتبر سلوكها نموذجا لمتلازمة ستوكهولم.
رهائن حادثة بنك ستوكهولم: هؤلاء الرهائن تعاطفوا مع الخاطفين ولم تتمكن الشرطة من تحريرهم الا بإطلاق غاز مسيل للدموع خلال القبو. وقد اثار تعاطفهم دهشة الجمهور المتابعين للقضية وأطلق اسم هذا السلوك على هؤلاء الرهائن.
اليزابيث سمارت: اختطفت من غرفتها بعمر 14 سنة في 2002 من قبل شخص هددها بالسلاح، ثم اصطحبها للغابة حيث كانت زوجته بإنتظاره. ثم تزوجها بمراسيم خاصة به وجعلها زوجة ثانية له. وخلال مدة 9 شهور بقيت محتجزة لديه حيث تنقلوا لعدة أماكن وكان يقوم بربطها على شجرة وتجويعها فترات طويلة واغتصابها. وبعد اكتشاف الشرطة وإلقاء القبض عليه قالت اليزابيث أن الفرصة وأتتها عدة مرات للهروب منه لكنها لم تستغلها.
ماري ماكلروي: اختطفت في 1933 لمدة 34 ساعة من قبل 4 اشخاص حتى تم دفع فدية 30000$ لإطلاق سراحها. خلال مدة الإحتجاز عقدت ماري صداقة مع مختطفيها الذين ألقي القبض عليهم بعد ذلك والحكم عليهم بالسجن، مما سبب لها حالة شديدة من الإكتئاب والشعور بالذنب. وكانت تقوم بزيارة خاطفيها بإستمرار في السجن. وبعد وفاة والديها انتحرت ماري في 1940.
جيسي لي دوغارد: اختطفت هذه الضحية في 1993 وهي بعمر 11 سنة من قبل زوجين قاموا بإحتجازها لمدة 18 عاما في خيمة في حديقة منزلهم حيث اغتصبت وأنجبت ولدين خلال تلك الفترة. وخلال تحقيقات الشرطة كانت تنكر وجود أي مشكلة أو اعتداء وكانت تصف خاطفها بالإنسان العظيم. وحين تسائل الكثيرون عن سبب عدم هروبها، كان الجواب هو متلازمة ستوكهولم التي يؤمن علماء النفس بأنها وسيلة للبقاء.
ناتاشا كامبوش: في عام 1998 اختطفت هذه الضحية وهي بعمر 10 سنوات أثناء ذهابها للمدرسة، من قبل عامل توصيل. ولم يعثر عليها الإ في 2006 حيث وجدت تركض هاربة من الخاطف، الذي انتحر بالإستلقاء على خط السكة الحديدية بعد ساعات من هروبها. وتعتبر قضيتها مثالاً يستخدمه المختصون على متلازمة ستوكهولم.
شون هورنبيك: اختطف هذا الطفل بعمر 11 سنة في 2002 حين كان راكبا دراجته فلم يعد بعد ذلك لمنزله. كانت لدى هذا الطفل عدة فرص للهرب حينما كان محتجزا من قبل خاطفه لـ 4 سنوات لكنه لم يفعل حتى أنه كان لديه دخول على الأنترنيت. اكتشفته الشرطة في بيت خاطفه وهو بعمر 15 ويعتبر من القضايا التي تتضح فيها متلازمة ستوكهولم.
اسيرات كليفلاند: بعد أن أبلغت اماندا بيري الشرطة بوجودها بعد 10 سنوات من فقدانها في 2013 أصبحت القضية شغل وسائل الإعلام. فقد احتجزت اماندا مع ميشيل نايت وجينا دي جيسس، لعشر سنوات في منزل بضواحي كليفلاند، ويعتقد الأخصائيون أن أصابتهن بمتلازمة ستوكهولم هو سبب تأخرهن في الهروب من الخاطف.
اليزابيث فريتزل: احتجزها والدها في قبو لمدة 24 سنة، خلال تلك المدة كان يعتدي عليها ويغتصبها فأنجبت 7 أطفال كانت تعيش مع 4 منهم في القبو وكان والدها وزوجته وبقية اولادها يعيشون في المنزل. وقد كانت بعمر 18 سنة حين حبسها والدها وأغلق عليها، وقد ألقي القبض على الأب حين احتاجت لعناية طبية لأحد أطفالها. ولم يكن أحد من أطفالها الصغار قد رأى الشمس الإ حين حررتهم الشرطة. وبسبب طول فترة احتجازها والعلاقة القائمة مع والدها فقد استمر تأثير متلازمة ستوكهولم عليها.
كولين ستان: حبست هذه الضحية في صندوق بحجم التابوت تحت سرير الخاطف وزوجته لمدة 7 سنوات منذ 1977 إلى 1984 حيث كانت تقضي فيه 23 ساعة يوميا خلال فترة احتجازها من قبل الخاطف الذي استخدمها لغرض الاستعباد الجنسي. كان الخاطف يتلاعب بافكارها ويعتدي عليها بمختلف الأشكال، بل وحتى يصطحبها في زيارة عائلتها دون كشف حقيقة ما يحدث لها. أما زوجته التي ساعدته في احتجاز ضحيته خلال تلك المدة فهي التي أبلغت عنه الشرطة وتمت محاكمته. وتعتبر سيطرة هذا الخاطف على ضحيته بشكل كامل هو مثال على متلازمة ستوكهولم.
الدولة القمعية
وعلى صعيد المجتمع، يمكن ملاحظة هذا التأثير في الأنظمة القمعية، عندما لا تملك السلطة شرعيتها من أغلبية الشعب، فتصبح وسيلة الحكم القمعية ضاغطة على أفراد المجتمع، ولمدة طويلة، يطور خلالها الأفراد علاقة خوف من النظام، فيصبح المجتمع ضحية النظام، ويدرك النظام هذه الحالة مع الوقت، حتى يتقن لعبة ابتزاز المجتمع. فيعتاد الشعب على القمع والذل لدرجه تجعله يخشى من التغيير حتى وإن كان للأفضل ويظل يدافع عن النظام القمعى ويذكر محاسنه القليله جدا دون الإلتفتات إلى مظاهر القمع والفساد الكثيرة.
علاجها
علاج متلازمة ستوكهولم إنّ علاج هذه المتلازمة يتطلّب جهوداً كبيرة من المعالجة السلوكية، والجلسات المستمرة التي تهدف إلى تعديل الفكرة عند الضحيّة، وكتابة الذكرى بطريقة مختلفة من أجل تغيير صورة المعتدي في ذهن الضحية من كونه شخص منقذ ورائع، إلى حقيقة أنّه شخص معتدٍ.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى