اخبار عاجلةتحقيقات و تقاريرمتابعات

صرخه مواطنين كوامبو بسبب هفت مصنع السكر

كتب : عماد حمدي

سحابة صفراء من حبات الخشب يطلق عليها الأهالي”الحبيبي” دمرت حياة وصحة الآلاف من أهالي مدينة كوم أمبو بعد أن أصابت بعضهم بالالتهاب الرئوي وطرحت آخرين بالفراش وأجبرت البقية على ترك منازلهم، عشرون عاماً ومصنع مصنع “الخشب الحبيبي” بكوم أمبو، يغتال أهالي المنطقة، حتي العاملين بالمصنع، دون وجود رد قاطع من البيئة أو المسؤولين .

“مصر العربية ” انتقلت بعدستها إلي المدرسة المجاورة للمصنع، والتي أصيب مدرسوها وطلابها بالالتهاب الرئوي وأودت بحياه بعضهم، كما تقابلنا مع سكان المنطقة، والعاملين بالمصنع، لننقل لكم آلام مئات الأشخاص بسبب “الخشب الحبيبي”

“مدرستي نظيفة متطورة “.. كلمة يعجز تلاميذ مدرسة أبو بكر الصديق الإبتدائية من قولها فكلمة “مدرسة” بالنسبة لهم، تعني ذلك المكان الذي تعجز فيه صدورهم الصغيرة أن تتنفس هواءً نقياً، فقد عانى أكثرهم من مرض الربو منذ صفه الأول الإبتدائي .

وكانت كلمة السر في ذلك المرض هي تلك السحابة الصفراء، من الخشب الدقيق القادمة من “مصنع الخشب الحبيبي” ، الملاصق للمدرسة فلا يفصل بينهما سوى جدار قصير .

وطوال عشرون عاماً أو تزيد، اعتاد فراش المدرسة كنس الخشب الدقيق الشبيه لحبات التراب الخشنة من فناء المدرسة ودرجات السلالم، حيث التزم بهذا العمل يومياً قبل دخول الاطفال ، فمخلفات المصنع المتطايرة تردم المدرسة طول الليل.

ورغم ذلك أصبحت رائحة المدرسة أشبه بالمصنع، وأصبح التنفس في أجوائها شبه مستحيل، إلى أن انتهى الأمر بالمدرسين والطلاب بالإصابة بأمراض الصدر.

تقول مني الكابي (مدرسة لغة عربية) ” أعمل في المدرسة منذ حوالي 15 عاماً، ومنذ الشهر الأول بدأت أجد صعوبة في التنفس، وبعد عامي الأول اكتشفت أني مصابة بحساسية بالصدر بسبب حبيبات الخشب التي استنشقها يومياً، ونصحني الطبيب بالإنتقال من مكان عملي”.

وتضيف ” كان الأمر الأخطر هو أني أعيش أيضًا بجانب المدرسة والمصنع فتفاقم الأمر على مر السنوات، ومنذ عدة أعوام اشتد المرض وذهبت لأسيوط للعلاج فاكتشف الطبيب أني مصابة بتليف شديد في الرئة،

وكانت نصيحته نفس ما قيل لي قديماً اتركي المدرسة وانتقلي لمنطقة هوائها نظيف، وبالفعل انتقلت من سكني، لكني عدت مرة أخري لنفس المنطقة نظراً لشدة بعد السكن الجديد عن عمل زوجي فاستسلمت لقدر الله وللمرض، والآن اتعالج بالكرتوزون والذي سبب لي هشاشه بالعظام لكن ما باليد حيلة “.

أما محمد حسن (مدرس رياضيات ) فيقول ” منذ أربع سنوات تقدمنا جميعا ًبشكوى إلى محافظ أسوان ووزير الصناعة وأيضاً مجلس المدينة، إلا أن أحداً لم يحرك ساكناً، فقد كانت حجة المصنع في الرد علي كل الشكاوي أن المدرسة بنيت بعد أعوام من المصنع “.

ويوضح ” جميعا نعلم أنه من المفترض علي المصنع تركيب مرشحات في أعمدة اﻷدخنة، لكنهم لا يركبوها إلا في وجود تفتيش فقط، كما أنهم يتحججون بارتفاع ثمن تلك المرشحات التي من المفترض تركيبها طول فترة عمل المصنع

لم يكن المدرسون فقط من عانوا، بل كانت المعاناة الأشد لأطفال المدرسة الصغار فتقول همت مصطفي (مدرسة لغة عربية ) ” نحضر كل الحصص منذ أول النهار لآخره ونحن نغلق كافة الشبابيك فالأطفال لا تستطيع تحمل الرائحة، خاصة وإن معظمهم يعاني من حساسية في الصدر، فكلما مرض طفل وذهب للكشف نصحه الطبيب بالانتقال من المدرسة لكن المشكلة ان اغلبهم يسكن بجوار المدرسة “.

أما بالنسبة لسكان منطقة (المربعات) المحيطة بالمصنع فالحال أسوأ بمراحل من المدرسة، فقد حرمهم المصنع من أبسط أمور الحياة، فلا يستطيعون فتح النوافذ ليلاً أو حتي نشر الملابس أو تشغيل تكييف الهواء
وبعد كل ذلك اضطر الأهالي بالإنتقال من المنطقة التي طالما عاشوا بها، إلا أن البسطاء منهم بقوا ليتحملوا صعوبة الحياه بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وعدم القدرة على الانتقال.

فتقول “ألفت محمد” من أهالي المنطقة سابقاً ” كنت أسكن بمنطقة المربعات وعانيت أشد المعاناة، فقد كان التراب الناعم من الخشب الحبيبي وهفت مصنع السكر هو مصدر القلق الأول والأخير، فإذا فتحت النافذة قليلاً امتلئ المنزل بالحبات الصفراء،

كما أنني كنت لا استطيع ترك الملابس فى الهواء ليلاً، واذا حدث ونسيتها اضطر لغسلها مرة أخري، لذا قمت بالانتقال من منطقة المربعات إلى منطقة أكثر نظافة لكن هذا حالي لأني ميسورة فما حال باقي الأهالي البسطاء”.

ويقول ” سعيد محمد ” مدرس بالمدرسة ومن أهالي منطقة المربعات سابقا “بسبب خوفي علي أطفالي من الإصابة بأمراض الصدر انتقلت إلى منطقة أخرى، وكانت المعاناه في الذهاب للمدرسة كل يوم والعودة منها، لكن كله يهون في سبيل انقاذ اطفالي، فقد عانيت منذ صغري ولن أسمح بتكراره مرة اخرى “.

“أمال ادريس” طفلة في عمر الزهور كتب الله عليها العيش في المساكن الخاصة بالمصنع حيث يعمل والدها بالمصنع، وعليها الذهاب للمدرسة المجاورة للمصنع فعانت منذ الصف الأول الابتدائي من حساسية بالصدر وتفاقم الأمر ليصل إلى تليف رئوي منعها الأطباء علي إثره من الذهاب للمدرسة .

وتروي لنا الأم المعاناه قائلة ” تسع سنوات ونحن نعاني مع آمال، نسافر للعلاج في أسيوط ولا نعود إلا كل عدة أشهر لنجري تحاليل وأشعة، والتي استنزفت كل أموالنا “.

وتضيف” لدي 8 بنات وزوجي سائق بسيط بالمصنع وقد حرم المرض آمال من الذهاب للمدرسة، أو حتي أخذ دروس خصوصية، فقد اعتمدنا علي اخواتها الكبار في المذاكرة لها وتذهب تحت حراسة طبية لاجراء امتحان آخر العام، ونصحني الطبيب بتغيير مكان معيشي إلا أن الحال لا يسمح فكان الحل أن ارسلها كل عدة أشهر لجدتها بمحافظة المنيا عسى أن يساعدها هذا علي الشفاء “.

وأصبح تكرار معاناة آمال أمر يخشاه كل أب يسكن بتلك العمائر فيقول”محمد أحمد عامل بمصنع السكر وساكن بعمائر الشركة ” كلنا كأهالي لا نستطيع فعل شئ فظروفنا لا تسمح لنا بالانتقال ونخشي كل يوم أن نسمع وفاة أحد أطفالنا وهو بالفعل ما يحدث فآخر حالة وفاه كانت منذ نحو سنتين كان طفل بالصف السادس الإبتدائي، هذا غير هاجر التي توفيت منذ ست سنوات ونحن الآن في انتظار من يرحمنا من العذاب والهواء القاتل إلي نستنشقه يومياً “.

تواصلنا مع رئيس مركز ومدينة كوم امبو، صابر حسين، والذي أكد بالفعل أن هذه المشكلة منذ سنوات طويلة، ووصلت عدة استغاثات من الأهالي لإنقاذهم وأطفالهم من انبعاثات المصنع الضارة.

وأضاف في تصريحات لـ “مصر العربية ” أن قسم البيئة بالوحدة المحلية لكوم أمبو حرر عدة محاضر بيئية ضد المصنع، واتخذ عدة إجراءات إلا أن المصنع لم يستجيب .

وأكد صابر أن الأزمة لن تُحل إلا إذا استبدل المصنع ماكيناته لتعمل بالغاز الطبيعي بدلاً من السولار، لأنه المتسبب الأول في كل تلك الانبعاثات من أدخنة وهفت وخشب حبيبي، وأنه بالفعل تم مطالبة المصنع بذلك، إلا أن الأمر متوقف على إدخال الغاز الطبيعي للمنطقة.

واوضح أن المحافظة بدأت بمدينة أسوان ثم إدفو، بينما تنتظر مدينة كوم أمبو وصول الغاز الطبيعي الذي سيحل أزمة المصنع، ويقي آلاف الأسر من المرض.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏سحاب‏، و‏سماء‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏سماء‏، و‏سحاب‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏سماء‏، و‏سحاب‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏سماء‏، و‏سحاب‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏سحاب‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى