اخبار عاجلةتحقيقات و تقاريرسياحة وأثارمتابعاتمعلومة تهمك

رحلة إلى منجم المجد المفقود

كتبه : طه حسين – البحر الأحمر
أم جمال نموذج لنساء قل وجودهن في تلك الأيام نموذج فريد من عدة نماذج عاشت سنوات الكفاح والتضحية من أجل بناء وطن جديد لأبنائها واحفادها. صورة أم جمال وهي تسترجع ذكريات ماضيها المفعم بالحركة والجهد والاجتهاد تستحق أن تكون صورة العام في محافظة البحر الأحمر الصورة تحكي كيف يتحطم المجد، ويخبو الشعاع، فتثور في قلب كل من عاش في تلك الأماكن شلالات من الذكرى وبراكين من الحنين، وينتصب في قلب كل فؤاد بنيان من الحسرة، وتشتعل في كل مهجة نار من الألم، لقد رحل الراحلون، ومروا من هنا، وها هي واحدة من عظيمات هذ الجيل مازالت تقف على بقايا الأطلال ودراسات الرسوم لتبعث في القلوب الذكري وتجدد في أفئدتنا بنيان الحسرة وتورث مهجنا نيران الألم. صورة عندما تم عرضها على صفحة أسرة حمضات بالفيس بوك هيجت مشاعر الكثيرين من أبناء المدينة الذين عاشوا طفولتهم في هذه المناجم. صورة السيدة الفاضلة ام جمال التي كانت تزور أحد مناجم الفوسفات القديمة بين جبال البحر الأحمر بعد أن قضت سنوات عمرها في ربوع هذا المكان، وهي تقول كلمة واحدة أيقظت في نفس كل من عاش هذه الأيام وتنفس هواء هذا المكان تاريخا من المجد والجمال. كلمة واحدة أوقدت في تلك النفوس الألم وحسرة الذكرى. كلمة واحدة تنعي بها ام جمال أياما مرت على تاريخ مدينتنا كما يمر الحلم اللذيذ الفرح المحفوف بالجمال والشباب وروائع الخيال كلمة ام جمال التي سمعها كل من رأي تلك الصورة رغم أنه لم يكن معها “لك الله أيتها الأرض العزيزة” التي عشنا فوق ترابها سنوات من الكد والجهد ممزوجا بلحظات من روائع الجمال الإنساني والترابط الاجتماعي. هذا ما تنطق به الصورة وهذه هي الكلمات التي سمعها كل من رأى تلك الصورة. لقد كانت مناجم القصير عنوان طويل من المجد والتاريخ الذي ما زال مختبئًا بين أطلال هذه المدنية، قابعًا بين جبالها وشوارعها ومعالمها ومبانيها، ينتظر من ينفض عنه غبار السنين والأيام ويضعه بين يدي أبنائها ويسجله في صحائف من ذهب لا يطويها النسيان.
إنها لحظات حنين يعيشها الآن كل من يري مثل هذه الصورة ويتبرك بها كل من تنفس هواء هذه المناجم قبل أن تحل عليّه لعنة النسيان، يدغدغ شعوره منظر حشائش الصحراء وشجيراتها المخضرة الأوراق والنحيفة الأغصان المتناثرة هنا وهناك البسيطة المتناسقة. وسلسلة من الجبال تحوم حول المنطقة كأنها حاجز كبير يخفي وراءه عالمًا آخر. عالما قد تخيلته وأنا في عمر البرعم أنه النهاية، تمامًا كالبحر أو بحر الظلمات قبل اكتشافه الصورة لمنجم حمضات وهو من أقدم مناجم الفوسفات بين سلسلة جبال البحر الأحمر .كانت الحياة بهذه المناجم أشبه بحياة المدينة الفاضلة لذلك فاضت قلوب من عاش فيها بالحب والعشق والحنين ويرجع الأستاذ حمدي فتح الله أحد أبناء منجم حمضات سبب ذلك الحنين والشوق لمجتمع حمضات فيقول : “كان مجتمع يعيش الفرد فيه على طبيعته بدون خوف من أي مؤثر خارجي ..ذلك لأنه مجتمع خالي من الجريمة .بكل أشكالها ..مجتمع ليس بحاجة إلى قانون فالأخلاق هي التي تحكمه ..فلا وجود لما يسمى بالشرطة او الحكومة التي تنظم العلاقات بين الأفراد ..وذلك لخلو المجتمع من كل انواع الجرائم .بداية من القتل والسرقة و…..و….وحتى الجرائم النوعية لم تكن موجودة ..كغلو الأسعار واحتكار السلع .والواسطة ..وحتى الغش بين التلاميذ في المدرسة ..مع ان المجالس العرفية كانت موجودة وجاهزة للتدخل عند اللزوم وقراراتها تحظى باحترام هائل ..لكنها مع ذلك لم تفعل ولو مرة واحده ……. مجتمع (المدينة الفاضلة) الذي كنا نعيش في هو ما جعلنا نشتاق الى مجتمع(حمضات) حتى الآن.. فما أحوجنا اليوم لعودة تلك الأيام بمثلها وقيمها وأخلاقها

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى