أقلام القراءاخبار عاجلةكتاب و مقالات

تناقض 

بقلم : كواعب أحمد البراهمي

أوبمعني أدق- يقولون مالا يفعلون – أصبحت هذه المقولة هي الصفة المميزة لأغلب البشر ., ولا أدري لماذا أصبح أغلب الناس حديثهم في واد وتصرفاتهم في واد آخر – وأحيانا سلوكيات في واد , وسلوكيات أخري متناقضة تماما .
وللأسف ليس هذا علي مستوي البشر العاديين , مثلي ومثل غيري . ولكن حتي علي مستوي المسئولين , والذين يناط بهم أمور مهمة تمس طائفة عريضة من الناس .
فمثلا إذا وجدنا موظف في مركز كبير ومسئول , ويصلي ويصوم ويظهر بأنه يتقي الله , وهو فعلا يتقي الله في كثير من التصرفات . ولكنه مؤذي لأكبر عدد من الناس , ويسبب لهم الأمراض والأوجاع , ويتسبب في فقدانهم صحتهم وأموالهم . وذلك بطريق غير مباشر منه . فعندما يكون مدير شركة ويلقي قاذورات تلك الشركة في النيل . أو يتخلص من مخلفات المصنع في النيل وهو يعلم أن تلك المخلفات سوف تلوث الماء , وسوف تتسبب في الأمراض للبشر . فأقل وصف يوصف به أنه قاتل .
وكذلك الموظف الذي يقوم بإلقاء ماء الصرف الصحي في النيل أو في الترع التي يشرب من مياهها الزرع أو الحيوان , وذلك لأنه يريد أن يوفر قدر من الأموال والتي هي ثمن البنزين , أو الوقت كي لا يذهب إلي مكان بعيد ويلقي حمولته .
فماذا يكون هذا الإنسان ؟ فهو أيضا قاتل وشرير . وربما يكون يصلي ويقرأ القرآن .
كثير منا ينتقد سلوكيات الآخرين مدعيا أنه أفضل منهم وهو غير ذلك , فمثلا عندما قامت تونس بإصدار قانون يبيح للشخص أن يتصرف فيما يملك كيف يشاء فيطبق الشرع أو لا يطبقه .
فأنا وإن كنت أود أن يكون الإحتكام لقواعد الشريعة الإسلامية في مثل تلك الأمور , حيث أنها المصدر الأساسي للتشريع في الدول الإسلامية . إلا أنني أجد أن ذلك القانون لم يحرم حلالا . فهو لم يفرض أن يتم التقسيم بالتساوي ولكن ترك الأمر للمورث فمن أراد الإلتجاء إلي الشرع فهو حر ., وذلك هو ما يحدث في الواقع , لأن البعض قد يقسم تقسيما لا يمت للشريعة بصلة .
والغريب أن تجد أن أكثر الذين أظهروا الإستياء من هذا القانون هم الذين يقسمون أموالهم قبل موتهم بطرق ملتوية كالبيع والشراء , فكثيرا جدا من الشعب المصري والذي لديه بنات فقط , يقوم ببيع ممتلكاته لبناته كي لا يرثه أخوته . ولا يري في ذلك غضاضة , وقد يبيع شيئا لزوجته . ولا يعتبر ذلك تدخلا في أنصبة الميراث .
بل والأسوأ أن يحرم أخت له أو أخوات نساء من الميراث حتي بعد موت مورثهم . بالرغم أنه ربما يكون مقيما للصلاة وصائما وقارئا للقرآن .
لا أعرف لماذا أصبحنا لا نعيش واقعنا كما هو في داخلنا , لماذا نظهر عكس ما في وجداننا . نضحك علي من ؟ أو نخدع من ؟
من يملك فينا أكثر مما نملك نحن في أنفسنا . بالطبع لن نستطيع أن نخدع الله لأنه أعلم بالسر وأخفي , فلماذا لا نرضيه ؟ لماذا نعصاه ؟ ونريد أن نقول للبشر أننا نخافه .
لماذا لا نخافه حقيقة فلا نؤذي غيرنا , ونحافظ علي بيئتنا ونحفظ ألسنتنا . لماذا كل منا لا يعمل بضمير يقظ .
نحن نتحدث ونتحدث عن الدين ولا نعمل والدول التي تقدمت لم تتحدث عن شئ , إنما تعمل بالأخلاق الفاضلة , ومن منبع المسئولية والضمير اليقظ . لا يقومون بعمل إعلانات للتبرع بما يفيض عن حاجتهم مثلما نفعل , ولكنهم يعرفون كيف يعطون فائض ما عندهم لمن يستحق دون ضوضاء , ودون إعلانات كبيرة عن البر والإحسان .
وأكثر ما يحز في نفسي جدا أن الإنسان المصري الفرعوني القديم و الذي لم يعرف الله أقسم ألا يلوث ماء النيل , وبر بالقسم .
ونحن لا نملك قانونا يحفظ لنا مياهنا من التلوث ولا يوجد لدينا من إتباع الدين ما يكفي للحفاظ عليها , في الوقت الذي أشعلنا الدنيا صراخا خوفا من بناء سد علي منبع النيل يقلل نسبة الماء لنا , ولم نسأل أنفسنا ماذا فعلنا نحن بالماء غيرأننا لوثناه , ولم نحافظ علي نعم الله لنا .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى