كتاب و مقالات

تحديات أجندة التنمية المستدامة فيما بعد الجائحة

بقلم – د. رشا عبد العزيز
هناك تحديات هائلة على مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة في جميع المجالات في إطار أجندة التنمية المستدامة التي اتفقت الدول منذ سنوات على الوفاء بها بحلول عام 2030 ، فهناك الكثير من الناس يعيشون في ظروف أفضل مما كانوا عليه قبل عشر سنوات، ولكن بالنسبة للكثيرين ما زال التقدم بطيئا والحلم بعيدا ويتطلب بذل مزيد من الجهود في شتي المجالات للتغلب على التحديات الهائلة التي تواجهها دول العالم والتي زادت بعد جائحة كورونا.
هل إكتسبت أهداف التنمية المستدامة مفهوما جديدًا في أعقاب جائحة كوفيد19؟
أُطلقت أهداف التنمية المستدامة (SDGs) والمعروفة رسميًا باسم (أجندة 2030 للتنمية المستدامة) في أعقاب قمة الأمم المتحدة في نيويورك في عام 2015، بحضور 154 رئيس دولة وحكومة.
تعد أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر هي بديل للأهداف السابقة للأمم المتحدة والأهداف الإنمائية للألفية المعتمدة في عام 2000. ومن المقرر أن تنطبق أهداف التنمية المستدامة والتي تهدف للقضاء على الفقر والجوع وتكفل سبل الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي للجميع وتدعو إلى اتخاذ تدابير وإجراءات عاجلة وصارمة لمكافحة تغير المناخ وتأثيره على الموارد الطبيعية بصفة عامة وعلي الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن البيئي بصفة خاصة وله العديد من الاثار الضارة الاخري ومن المتفق عليه تحقيق معظم أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
وكان على كل الدول والحكومات أن تتماشي الدول والحكومات مع أجندة 2030 وأهداف التنمية المستدامة، ولكن كان للقدر رأي اخر فالكوارث الإقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا – والتي سجلت عددا كبيرا من الوفيات والإصابات علي مستوي العالم – دورًا في تعطيل خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الدولي وتأخيرها. ووفقًا للأمم المتحدة، فقد شهد عام 2020 انخفاضًا يقدر بنحو 4.6% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي ما يعادل فقدان 255 مليون وظيفة بدوام كامل.
وذكر الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2020، أنه لم يتمكن ما يقرب من شخص واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من الحصول على الغذاء الكافي، مما يمثل زيادة قدرها 320 مليون شخص في عام واحد فقط. وبالتالى فنحن نتحرك بعيدا عن أهداف الإستدامة ، كما أكد الأمين العام أن الذين يعيشون في فقر من المتوقع أن يمثلوا سبعة في المائة بحلول عام 2030 وهذا أقل من مستويات عام 2015 .
وأكد على إمكانية وضرورة تغير الوضع، بقوله: “لدينا المعرفة والعلم والتكنولوجيا والموارد. ما نحتاجه هو وحدة الهدف، والقيادة الفعالة من جميع القطاعات، والعمل العاجل والطموح”.
هل تم عمل دراسات حاليا توضح لنا أين نحن الان من تنفيذ أجندة الاستدامة العالمية ؟
استجابة لدعوة الأمم المتحدة لزيادة تمكين المجتمعات المحلية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في أعقاب الجائحة، أجرت منظمة صنع وبناء السلام العالمية “شبكة صناع السلام الدينيين والتقليديين” ومركز الحوار العالمي (كايسيد) مؤخرًا دراسة استطلاعية مشتركة عبر الإنترنت لجهود الجهات الفاعلة الدينية والتقليدية بغية تسريع تحقيق جدول أعمال 2030 على المستويين الوطني والمحلي.
و يظهر التقرير أن الناس يعيشون حياة أفضل مقارنة بعشر سنوات مضت، حتى في المناطق التي تواجه أكبر تحديات التنمية. منذ عام 2000 في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، انخفض معدل وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة بنسبة 35%، ومعدل وفاة الأطفال تحت سن الخامسة بنسبة 50%. في جنوبي آسيا، انخفض احتمال زواج الفتاة في طفولتها بنسبة 40%. في الدول الأقل نموا، زادت نسبة السكان الذين تتوفر لهم الكهرباء بأكثر من الضعف. وقل عدد الأشخاص الذين يعيشون بدون كهرباء عن المليار، ومازال سكان المناطق الريفية ما يعانون من أوضاع سيئة مثل نقص الخدمات والتعليم والفقر …”
وقد ذكر التقريربعض التحديات التي تعوق مسار الاستدامة وكان أهمها، الوتيرة السريعة لتغير المناخ، والصراعات، انعدام المساواة.
وذكر التقرير أن عدد المصابين بنقص التغذية قد زاد، للمرة الأولى منذ عشر سنوات، ليصل إلى 850 مليون شخص عام 2016 بعد أن كان 777 مليونا عام 2015. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الصراعات والجفاف والكوارث المرتبطة بتغير المناخ.
ماذا عن التنمية البشرية للمشاركة الفعالة فى تحقيق أجندة الاستدامة ؟
يجب أن يتغير مفهوم التنمية البشرية ليصبح التنمية البشرية المستدامة وهي عملية تهدف إلى زيادة الخيارات المتاحة أمام الناس اليوم، مع ضمان عدم المساس بحرّيات أجيال المستقبل
ما هي تحديات التنمية البشرية المستدامة في المنطقة العربية؟
عندما نتحدث عن التنمية البشرية المستدامة يجب أن يكون ذلك ضمن الركائز الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للتنمية.
ونجد أن أبرز التحديات تقع ضمن الركيزة الاجتماعية والتي تتمثل في تمكين المرأة وتنمية الشباب وإدماج كبار السن وذوي الهمم فى المجتمع فالمنطقة تعاني عدم التكافؤ بين التقدم الذي أحرزته المرأة في التعليم والصحة والتقدم الذي أحرزته في سوق العمل والحياة العامة.
كما أنها تعاني من إرتفاع معدلات البطالة والإقصاء الإجتماعي للشباب وخاصة فى المجتمعات النامية نظرا لعدم تلاقي مخرجات النظام التعليمي مع حاجات سوق العمل.
أما الركيزة البيئية فتشتمل على أخطر تحديات التنمية، كتغير المناخ، التصحر والأمن المائي والأمن الغذائي؛ فقد شهدت المنطقة ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة، كما أنها تعاني أعلى نسبة جفاف في العالم وارتفاعًا حادًّا في أسعار الغذاء.
ما هي الخطة التى يجب الحرص على العمل من خلالها للسيطرة على تحديات التنمية البشرية المستدامة ؟
يجب وبسرعة الانتقال من “التخطيط التنموي التقليدي” إلى “التخطيط التنموي الجديد” الذي يتبنى نموذج الاقتصاد الأخضر الذي يعي أهمية استهداف فئات سكانية معينة (مثل النساء والشباب وكبار السن) في استراتيجيات خاصة بها من أجل ضمان مشاركة جميع السكان في عملية التنمية المستمرة والمستدامة واستفادتهم من عوائدها وهذا ما يحدث بالفعل الان فنري العديد من البرامج الممولة للعديد من المؤسسات والجمعيات تهتم بهذه الفئات كما بدأت الحكومات ايضا التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والشركات في تفعيل التنمية البشرية المستدامة.
هل سيكون هناك واقع وتحديات جديدة لاجندة الاستدامة بعد جائحة كورونا ؟
أزمة فيروس كورونا المستجد لم تهدأ بعد ولم يتم تحديد الوقت المتوقع لبدء رحلة التعافي بشكل قاطع، ولكن كل المؤشرات والدراسات العالمية للخبراء المختصين تقول إنها أوشكت على الإنتهاء وأن التحديات قادمة والتغيير أمر حتمي حيث أجبرت الجهود المبذولة لإحتواء الأثار السلبية للتحديات الإقتصادية والإجتماعية والصحية والبيئية للجائحة والحد منها، البلدان والشعوب على تبني عدد من التدابير والحلول والتغيرات السلوكية لتخفيف الأثر والحد من الكارثة . ويجب أن نعزز هذه التدابير والسلوكيات لتتحول إلى أنماط واتجاهات تحدث تغيير جوهري في الواقع الذي نعرفه.
ماذا عن الحلول والتدابير التي تتعلق بالجوانب الإجتماعية والإقتصادية المصرية ؟
1- تسريع التحول الرقمي للقطاع العام والتحول إلى الحكومة الإلكترونية
2- إنتشار العمليات التجارية عن بعد من خلال التكنولوجيا المالية
3- زيادة هائلة في الإتصال الرقمي وحلول تكنولوجيا المعلومات والإتصالات
4- تعظيم أهمية اقتصاد المعرفة:
5- إعادة التركيز على التصنيع والإنتاج المحلي والوطني:
6- الإعتراف بالقيمة المضافة لريادةالأعمال وتطويرالتكنولوجيا المحلية:
7- إتجاه الشركات إلى تبني ممارسات الإستدامة كإجراء لمواجهة الإضطرابات غير المتوقعة في الإقتصاد، والكوارث الطبيعية، وظروف السوق المتغيرة المفاجئة غير المخطط لها
هل هذه المخاوف لها صدى مباشر على مصر؟
مصر يوجد بها عدد من المدن بنسبة تلوث هواء أعلى من المتوسط، ونسبة عالية من السكان لديها دخل منخفض غير مستقر فالإجابة هي نعم وبدون شك .
هل الأزمة الحالية تعد جرس إنذار للشركات لتسريع عمليات التغيير؟
يمكن اعتبار الأزمة الحالية بمثابة دق ناقوس يحفز قادة الأعمال على تبني دمج الإستدامة في نماذج أعمالهم وسياساتهم التشغيلية، ووضع سرعة الإستجابة والمرونة في الإعتبار.
ما هي متطلبات الشركات لدعم جاهزيتها للمستقبل؟
1- تبني ادارة الازمات والمخاطر والتغيير
2- وضع خطط الطوارئ المناسبة والتعلم من الإتجاهات الدولية.
3- تدريب العاملين على عدد من تدابير الصحة والسلامة، وتدريبهم على خطط الطوارئ لمواجهة الأزمات هام أيضا لتنسيق الجهود وتحقيق معدل استجابة سريع .
4- يجب اعتبار إدارة التغيير وظيفة إدارة استراتيجية أساسية في الشركات، لضمان قدرة الشركة على إدخال التغييرات التي تتوقع اتجاهات الإقتصاد العالمي والسوق مثل صعود اقتصاد المعرفة وتسارع رقمنة العمل وطرق العمل الإفتراضي، والإتصالات وتغيرات احتياجات وسلوكيات العمال.
5- زيادة المنافسة، والحاجة إلى جذب الموهوبين، والإبقاء على الموظفين والتخلص من ازدحام وتعدد الإجراءات حال عدم القدرة على تبني التغيير.
6- تسريع التحول الرقمي وادارة البيانات
7- تعميم القياس الكمي والتتبع في إدارة ومراقبة العمليات من خلال الحلول البرمجية ذات الصلة والذي يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين العمليات اليومية، وتنظيم سلسلة التوريد للشركات.
8- استخدام الرقمنة في تدريب الموظفين عن بعد، الأمر الذي سيقلل من الوقت بعيدا عن العمل لبناء القدرات، وأصبح التسويق أكثر فاعلية عبر منصة التواصل الإجتماعي للوصول إلى قواعد عمال أوسع بتكاليف أقل، كما يمكن أن يؤدي استخدام الإدارة الذكية للمنشآت إلى خفض التكلفة للحد من الخطأ البشري.
9- تبني المنهج الثلاثي المعايير (الإقتصادي والإجتماعي والبيئي)
من الملائم للشركات أن تتبنى المنهج الثلاثي المعايير لإرشادها في تصميم استراتيجيتها وقياس أدائهاوهذا يتطلب من الشركات تقييم أدائها ليس فقط على أساس الربح بل على أساس ” المجتمع، الكوكب، الربح”
10- التوافق مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر2030 ، بناءا على المنهج الثلاثي المعايير، يتم تشجيع الشركات على تصميم وإطلاق استراتيجية الإستدامة الخاصة بهم. والتي من المتوقع أن تترجم هذا المنهج إلى أنشطة قابلة للتنفيذ تعكس أهداف الشركة، وتدمج الإستدامة تدريجيًا في جميع مستويات وجوانب التشغيل.
11- من المهم تطبيق إستراتيجية قياس الأثر فقياس تأثير ممارسات الاستدامة في الشركة. حيث أن وضع قائمة بمؤشرات الأداء الرئيسية وتقييمها بشكل دوري يمكن أن يساعد المسئولين على تقييم النتائج وتقييم مدى كفاءة ممارساتهم.
12- الإدارة المستدامة للموارد مع زيادة استخدام التكنولوجيا والإبتكار.
13- إدخال إدارة مخاطر تغير المناخ في عمليات اتخاذ القرارات والتخطيط المالي والتنفيذي والإستراتيجي. كما يجب أيضا مراعاة سيناريوهات المخاطر المناخية عند تصميم المنتجات المالية والإستثمارات والخدمات.
14- إتاحة التمويل الأخضر والإستثمارات المسؤولة
15- تكوين الشراكات فأجندة الإستدامة أكثر قابلية للتحقيق من خلال تكوين الشراكات والعمل الجماعي وقد خصصت الأمم المتحدة الهدف 17للشراكات كهدف هام وصريح من أهداف التنمية المستدامة
16- تعميم المسؤولية المجتمعية للشركات : في حين أن عددا متزايدا من الشركات في هذا القطاع لديها ممارسات تندرج تحت المسؤولية المجتمعية للشركات (CSR ) إلا أن معظمها لم تقم بإضفاء الطابع الرسمي أو المؤسسي على جهودها المجتمعية الموجهة نحو المجتمع ، و عدد كبير من الشركات في مصر والتي لها ممارسات مجتمعية، تميل إلى توجيه التبرعات إلى الجمعيات الخيرية ، إلا أنه يعتبر عملا خيريًا .
وأخيرا : هل يوجد تعريف موحد للمسئولية المجتمعية للشركات ؟
لا ، ولكن على الرغم من عدم وجود تعريف موحد للمسؤولية المجتمعية للشركات، إلا أنه يمكن فهمه على أنه التزام الشركة بأن يكون لها تأثير إيجابي على العاملين بها والمجتمع ككل،
ففي سياق المسؤولية المجتمعية للشركات، يتوجب عليها تخصيص جزءا من إيراداتها السنوية لبدء مشروعات وبرامج ذات صلة بمجالات خبرتها أو القطاع الذي تعمل فيه، من أجل التنمية المجتمعية للمجتمعات التي تستهدفها رقمنة الإتصالات والعمل عن بعد ونجد أن هناك نماذج عديدة للشركات التي تقوم ببرامج ممولة مجانية الموجهة للمرأة ورواد الأعمال .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى