اخبار عاجلةكتاب و مقالات

“بالعربىّ فلسفة”… كيف تتفلسف فى حياتك بشكل بسيط؟

اللواء/ رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي 
الكاتب الصحفي/ أيمن بحر 

بعد مرور عام على إنطلاق مبادرة وورشة “بالعربىّ فلسفة”، أصبحت الصحف أكثر إهتماماً بها، نظراً لما قدّمته من محاضرات شيّقة وقيّمة ومبسّطة، فماذا تقدّم الورشة تحديداً؟ وكيف إستفاد غير المتخصّصين فى الفلسفة منها فى حياتهم اليوميّة؟
هل تستطيع أن تتفلسف (تمارس الفلسفة) بالعربىّ؟ هل يمكن أن تساعدك الفلسفة على حلّ مشكلاتك اليوميّة؟، لماذا يقول البعض توقّف عن الفلسفة كأنّها فعل خاطئ؟ الأسئلة السابقة وغيرها، حاولت وما زالت تحاول ورشة “بالعربىّ فلسفة” المقامة فى مقرّ الجامعة الأميركيّة بميدان التحرير، الإجابة عنها بهدف تبسيط الفلسفة لغير المتخصّصين فيها وتعليمهم كيفيّة إستغلالها وإستخدامها فى حياتهم بشكل مفيد.
لقد اإنطلقت ورشة “بالعربىّ فلسفة” فى 1 تمّوز/يوليو من عام 2017 عن طريق عدد من المحاضرات الأسبوعيّة، التى يقدّمها المتخصّصون فى الفلسفة لغير المتخصّصين بهدف تبسيط النظريّات الفلسفيّة، وأثناء إحتفال فريق عمل الورشة بمرور عام على تأسيسها، فوجئ الجميع بتسليط العديد من وسائل الإعلام الضوء على الورشة التى كانت شبه مجهولة إعلاميّاً، وربّما ما لفت الأنظار الى تلك الورشة هو تفاعل نشطاء “فيسبوك” معها، خصوصاً مع نشر فيديو لكلّ محاضرة.
وفى تمّوز/يوليو من عام 2018، إهتمّت جريدة “الشرق الأوسط” اللندنيّة بإجراء تقرير صحفىّ وحوارات صحفيّة عن الورشة، وكذلك فعل موقع “كايرو 360″، ويبدو أنّ الإهتمام العامّ بأنشطة الورشة وإنجازاتها جاء نابعاً من الإهتمام الأولىّ لبعض الصحف فى أواخر عام 2017 وبدايات عام 2018 ببعض المحاضرات الجدليّة التى قدّمتها الورشة مثل: “هل الفلسفة حرام؟” أو محاضرات “مفهوم الحريّة” و”مفهوم التنوّع” و”مفهوم التسامح”، وشهدت العديد من الإسقاطات على أحداث ثورة 25 كانون الثانى/يناير من عام 2011.
وتعليقاً على ما حقّقته الورشة من نجاح فى لفت إنتباه مستخدمى مواقع التواصل الإجتماعىّ ووسائل الإعلام، رأت أستاذة الفلسفة فى الجامعة الأميركيّة ومؤسّسة مبادرة “بالعربىّ فلسفة” يسرا حمّودة أنّ مقياس نجاح الورشة بالنّسبة الى فريقها هو قدرتها على جذب جمهور متنوّع ينتمى الى فئات إجتماعيّة وثقافيّة وعمريّة مختلفة، مشيرةً الى أنّ ذلك المقياس تحقّق، رغم أنّ الشباب منذ مرحلة الدراسة الثانويّة حتّى مرحلة إتمام الدراسة الجامعيّة هم الأكثر إقبالاً، إضافة الى كثرة إقبال النساء والفتيات، سواء أكان من خلال الحضور أم من خلال النقاشات التى تعقب المحاضرات، وأوضحت يسرا حمّودة أنّ المحاضرات غير معنيّة بشرح الفلسفة فى أىّ مبحث من مباحثها مثل الهويّة أو الحريّة أو الإنتماء أو الدين أو غيرها بشكل مكثّف أو بشرح مدارس الفلاسفة فى كلّ مبحث من فلسفة إبن رشد فى الحريّة أو فلسفة إيمانويل كانط أو روجيه جارودى فى المبحث نفسه بشكل مكثف، وإنّما إعطاء نبذة مبسّطة عن كلّ مبحث ومدارس الفلسفة المتنوّعة فيه، مع محاولة إسقاط تلك النبذة المبسّطة على الواقع وتعليم طلاّب المحاضرة المقاربة بين وجهات نظر الفلاسفة وبين الواقع مثل أن يتخيّلوا كيف يمكن أن يفكّر إبن رشد كفيلسوف الحريّة فى ثورة 25 كانون الثانى/يناير أو غيرها من الأحداث.
من جهتها، قالت الباحثة المتخصّصة فى الفلسفة والحاصلة على ماجستير الفلسفة من الجامعة الأميركيّة وفاء والى: هناك إنطباع لدى البعض أنّ الفلسفة نخبويّة ومعقّدة وغير صالحة للتطبيق فى حياتنا اليوميّة، وأنّ الورشة تعمل على كسر إنطباع النخبويّة لأنّ الفلسفة تحتكّ بمواضيع تمسّ حياة الجميع ويمكن تطبيق نظريّاتها فى أىّ وقت، وأعطت مثلاً عن ذلك، المحاضرة التى القتها ضمن الورشة بعنوان “فلسفة التعليم”، والتى تناولت فيها أفكار فردريتش نيتشه عن التعليم، بما فيها تعريف التعليم وماهيته وكيفيّة تقييم نجاحه من عدمه، مشيرةً الى أنّ قضيّة التعليم وتحسينه وتطويره تمسّ الجميع فى مصر.
بدوره، قال المحاضر بقسم الفلسفة فى الجامعة الأميركيّة بالقاهرة شريف سالم: إنّ هدف الورشة مختلف عن تبسيط الفلسفة، كما كان يتمّ فى المدارس الثانويّة، فالتبسيط المدرسىّ للمدارس الفلسفيّة فى مختلف المباحث كان هدفه النهائىّ تلقينيّاً وليس إبداعيّاً، بينما هدف ورشة “بالعربىّ فلسفة” هو إبداعىّ، بحيث يبدأ كلّ طالب من طلاّب الورشة فى إثارة الأسئلة عن مدارس الفلاسفة وآرائهم ليكشف فيها نقطة ضعف أو نقطة قوّة أو إثارة التساؤلات عن الحياة وتفاصيلها وقيمها، كما كان يفعل هؤلاء الفلاسفة الكبار، وقال: “حتّى لو لم يصل الطالب إلى أجوبة دقيقة، الاّ أنّ الفلسفة ستعلّمه كيف يؤسّس منهجاً يتعامل به مع أغلب جوانب حياته”.
بعض الطلاّب أو بعض المتابعين لصفحة “بالعربىّ فلسفة” على “فيسبوك” قاموا بإعطاء أمثلة عن أهمّ ما تعلّموه من الورشة أو من خلال مشاهدة مقاطع فيديو المحاضرات عبر الصفحة.
وأشار الطالب فى كليّة الهندسة محمّد إبراهيم فى حديث الى أنّ محاضرة مفهوم الحريّة كانت الأمتع، وأنّه تعلّم منها أنّ الثقافة المنتشرة فى مصر عن تجاهل البعض القانون لأنّه يحدّ من حريّاتهم هى ثقافة خاطئة وساهمت فى توسيع مداركه حول أسباب خطئها، وقال: “ليست خاطئة لأنّها تؤدى الى الفوضى، ولكن لأنّ القانون، الذى يحدّ من بعض الحريّات، هو الضمان الوحيد من أجل أن يحصل الكلّ على الحدّ الأدنى من الحقوق الأساسيّة، وفقاً للحاجات الإنسانيّة، ومن دون القانون، ربّما تستطيع مجموعة من البشر الحصول على الحريّة بشكل مطلق، ولكن على حساب حقوق الآخرين وحريّاتهم الى أن تأتى فئة تحظى بحريّة مطلقة على حساب حريّات المجموعة الجائرة وحقوقها، مثل قانون المرور الذى يحدّ من حريّة البعض فى سرعة القيادة، الاّ أنّه يضمن للجميع الحقّ فى الحياة والأمن”.
ولفت الطالب فى كليّة الآداب بقسم الفلسفة حسن أبو المجد الى أنّ إسقاط محاضرة الحريّة على ثورة 25 كانون الثانى/يناير وما بعدها من أحداث أكّدت له أهميّة الفلسفة فى التوفيق بين المبادئ المثاليّة والواقع، وقال: على سبيل المثال، يجب أن تتوافر الحريّة السياسيّة عن طريق الصناديق الإنتخابيّة فقط، ويجب على الجميع الامتثال الى الصناديق، ويجب الاّ يعترض المواطنون على كلّ قرار يتّخذه البرلمان أو الحكومة بعد منحهما الثقة عن طريق الصندوق لأنّ التصويت المباشر على كلّ قرار إن لم يؤد الى فوضى فسيؤدّى الى تباطؤ فى إتّخاذ القرار، وهو ما أدّى الى إنهيار أثينا خلال حربها مع أسبرطة وتعرّض أفكار أفلاطون عن الديموقراطية المباشرة وكون الشعب مصدر السلطات الى نكبة.
أمّا الطالبة فى كليّة التربية فاطمة منصور فأشارت الى أنّها إهتمّت بحضور محاضرة التعليم لكون التعليم سيكون مجال عملها بعد إنتهاء دراستها، لافتة الى أنّ أفكار نيتشه فى تعريف التعليم أكّدت لها تعارض فكرة المناهج الدراسيّة التلقينيّة الجامدة مع التعليم الحقيقىّ، وأنّ التعليم التلقينىّ يخدم أفكار الدولة على حساب منح الطالب الفرصة الحقيقيّة للتعلّم بالبحث والتجربة والخطأ.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى