اخبار عاجلةسياحة وأثاركتاب و مقالاتمتابعات

القصير الميناء الذي أذل جيش الشرق وأجهض أحلام نابليون

كتب : طه حسين الجوهرى

جاءت الحملة الفرنسيه إلي مصري في عام 1798 ،بعد ان أرسلت حكومة المديرين الفرنسية عيونها من المفكرين والمستشرقين لاستطلاع أحوال مصر ،واختيار اللحظة الحاسمة لتي تقوم فيها فرنسا بغزو مصر، للانتقام والثأر للهزيمة الساحقة لحملة لويس التاسع، والتي انتهت بأسره في دار بن لقمان بالمنصورة.. أخذ هؤلاء المبعوثين يجوبون مصر شرقا وغربا. يسجلون كل ما يحدث فيها من حكامها العثمانين والممالليك وعلاقتهم بالشعب المصري بشرائحه المختلفه من الفلاحين والعرب والبدو الرحل.
إلا أن هذه المعلومات التي بني نابليون عليها خططه وسياساته لم تكن دقيقة بما يحقق له تحقيق طموحه الشديد في تكون امبراطوريه في الشرق تكون مصر نواتها الاساسية .
ولعل العامل الرئيسي الذي لم يحسب له نابليون أو حكومته حساب وأربك كل خططه وقتل كل طموحاته السياسية هو تلك البقعة الصغيره وذلك الميناء العريق علي شاطئ البحر الاحمر إنه ميناء القصير
فبمجرد أن وصلت أخبار وصول الحملة إلي مصر وتنامي إلي اسماع أهل الحجاز ما فعله الفرنسين بأهل مصر من قتل وتشريد واغتصاب لكل من وقف في طريقهم بدأت صفحة جديده في تاريخ الحملة لم تكن في الحسبان
بدأ الشيخ محمد الجيلاني المغربي الهاشمي دعوته للجهاد في بيت الله الحرام ضد الغزو الفرنسي فالتف الناس حوله فقد كان عالما واماما فقيها محدثا يمتلك قوة الحجة وبراعة البيان . استطاع ان يجمع حوله الكثير من المتطوعين للجهاد من أهل الحجاز، فأخذ ينظم الصفوف ويجمع الاموال والسلاح، قاصدا ذلك الميناء العريق علي الساحل الغربي للبحر الاحمر (ميناء القصير)
استطاع الشيخ الجيلاني فور قدومه أن يلحق أول هزيمة لجيش الشرق جيش نابليون . بعد ان انهكت القوات الفرنسية في غزوها للصعيد علي يد الفوج الأول من المتطوعين من أهل الحجاز الذين أرسلهم الشيخ الجيلاني تحت قيادة ابن اخته الشريف حسن و أخيه الشريف طاهربحيث أصبحت تلك القوات تدور في حلقة مفرغة لا أول لها ولا آخر ، ولقد امتلأت مراسلات ديزيه الي بونابرت بالشكوى المرة من تدفق عرب الحجاز عبر ميناء القصير على البحر الأحمر والمواجه لمواني الحجاز، فكل المعارك التي خاضها الفرنسيون تقريبا قد شارك فيها هؤلاء جنباً إلى جنب مع المصريين

كان من الضروري الاستيلاء علي القصير لسد هذا المنفذ الذي ترد منه الإمدادات المتلاحقة،
فرأي بونابرت في بداية الأمر غزو الميناء عن طريق البحر، فأرسل من ميناء السويس أسطولا مكوناً من أربعة زوارق حربية، هي “تاليامنتو” Taglimento، و”كستيليوني” Castiglioni ، ومليزيمو Millesimo “، وازنسو كولو ” Isannzot Collot تحمل ثمانين جنديا، وذلك للقيام بمناورة بحريه امام ميناء القصير تمهيدا لإحتلاله.
وصل الأسطول الفرنسي أمام القصير في 9 فبراير 1799، حيث كان حسن الجداوي على رأس قوة المماليك متحصنة داخل قلعة القصير ويرافقه ثلاثون فارس من المجاهدين الحجازيين بقيادة محمد حسن جوهر محتشدة قرب الساحل ، في انتظار وصول الشيخ الجيلاني ومعه ألفي مقاتل من أهل الحجاز . وما أن اقترب الاسطول من الشاطئ الا وقوبل بالقنابل. لم يكن الحظ حليفهم فقد جعلتهم الصدفة بين فكي كماشه سفن الجيلاني بالبحر من جهة وقواته المنتظرة علي الساحل من جهة أخرى، تبادل الطرفان إطلاق النار، فاشتعلت على أثرها سفينة القيادة تاليامنتو وغرقت في البحر. كما قتل الجنود الفرنسيين الذين ألقوا بأنفسهم في البحر ووصلوا الى الشاطئ . فقد كان فرسان الحجاز بانتظارهم وما أن حدث ذلك حتى لاذت السفن الثلاث بالفرار عائدة الى ميناء السويس “واسفرت المعركة عن قتل 57 فرنسياً .

نزل الجيلاني القصير بعد أول انتصار له ومكث لايام عديده في زاوية صغيره على البحر ينظم صفوف المقاومة ويرتب القاده والألويه بمساعدة  الامير المملوكي حسن الجداوي ومازالت الزاويه  بالقصير حتى الأن ولكنها تحمل اسم زاوية الشيخ عبد القار الجيلاني  ثم انطلق بعدها إلي قرية حجازه بمحافظة قنا وأخذ في الاعداد للمعركة الكبري في البارود وابنود.
ولم يكن أمام الجنرال ديزيه بعد فشل الحملة البحرية إلا أن يرسل حملة برية عبر الصحراء الشرقية الى القصير وذلك بناء على نصيحة بعض شيوخ مدينة قوص الذين يكنون كراهية للمماليك . و أوضحوا له بان كبح جماح المماليك والقضاء علي قوتهم لن يتم طالما بقى ميناء القصير مفتوحاً أمام تدفق الإمدادات البشرية من شبه الجزيرة العربية ، ومن ثم وجب الاستيلاء عليه وإخضاعه لسيطرتهم.
نجح ديزيه في احتلال القصير في مايو عام 1798م. ومما يدل على مدى أهمية الاستيلاء علي القصير بالنسبة للفرنسيين، التقدير الذي أرسله ” بونابرت” عقب عودته من حملة الشام 1799 الى حكومته يقول فيه :” إن احتلال القصير والسويس والعريش قد اقفل طريق الوصول إلى مصر من جهة البحر الأحمر وسوريا اقفالا تاما. كما أن تحصين الاسكندريه و رشيد ودمياط يحبط كل هجوم من البحر المتوسط ، ويضمن الى ما شاء الله للجمهوريه الفرنسيه امتلاك البقعة الجميلة في العالم التي ستكون الحضارة أكبر الأثر في انهاضها و إحياء عظمتها القومية. ولم يمكث الفرنسيون كثيرا فاضطرو إلي مغادرة القصير بعد معاهدة العريش وتم تسليم الميناء الذي أزعج الفرنسين كثيرا وكان سببا رئيسا في فشل الحمله لحامية هندية تابعة للاسطول الانجليزي في عام 1801م

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى