أقلام القراءاخبار عاجلةالوطن العربيتحقيقات و تقارير

الدكتورة تمارا برو تكتب : استخدام السلاح الكيميائي وصمة عار على المجتمع الدولي

كتبت/ د.تمارا برو – لبنان .

شهد القرن العشرون نقطة تحوّل في التاريخ العسكري للبشرية، اذ اسْتُخدِمت الأسلحة الكيميائية بشكل مكثف في الحروب والنزاعات المسلحة.

والأسلحة الكيميائية تقتل أو تصيب الإنسان عن طريق تأثيرها السَّام والمباشر على الجسم البشري بأجهزتها الحيوية المختلفة، وتبقى في أماكن استخدامها لسنوات طويلة. ويؤدي استخدامها أيضاً إلى تعرية واسعة للتربة، وتدهور في الثروة السمكية.

لقد تمَّ استخدام السَّلاح الكيميائي ، ولاسيما غاز الخردل، بشكل مكثف في الحرب العالمية الأولى، ما أدى إلى إزهاق أرواح آلاف الجنود والمدنيين.

ومن لم يمت من جرائه، أصيب بالعمى أو بالحروق. وبسبب الأضرار الهائلة التي سببها هذا السلاح استفاق العالم على مخاطره فتم توقيع بروتوكول جنيف عام 1925 الذي حظر استخدام الغازات السامة،

غير أن إيطاليا ضربت عرض الحائط هذه الاتفاقية، إذ استخدمت السلاح الكيميائي في حربها ضد أثيوبيا عامي 1935-1936.

ومع دخول العالم عصر القنبلة النووية عقب الهجوم الأميركي على مدينتي هيروشيما ونغازاكي، أضحت الحاجة إلى أساليب ووسائل فتاكة،

ولكنها في الوقت نفسه تكون أقل تكلفة ولا تؤدي إلى دمار بنياني هائل يتطلب إنفاق مبالغ ضخمة لاعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية،

فقام علماء الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية بتطوير السلاح الكيميائي.

وفي أثناء حرب فيتنام أقدمت الولايات المتحدة الأميركية على استخدام السلاح الكيميائي لتدمير المحاصيل الزراعية وإحراق الغابات.

كما استخدمته القوات العراقية إبان حربها مع إيران في الثمانينات، واستخدمته أيضاً بشكل مكثف عام 1988 في الهجوم الذي شنته على مدنية حلبجة الكردية فقتل أكثر من 5000 شخص.

وعلى الرغم من المفاوضات والمشاروات المكثفة التي أجراها المجتمع الدولي لإبرام معاهدة تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية، إلا أنه لم يفلح في ذلك إلا عام 1993 حيث تم التوقيع على اتفاقية حظر استحداث وانتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدميرها.

ونصت المادة الأولى من هذه الاتفاقية بألاَّ تقوم الدول تحت أي ظرف من الظروف باستحداث أو انتاج الأسلحة الكيميائية، أو حيازتها بطريقة أخرى، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها أو استخدامها أو نقلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة ،

إلى أي جهة. كما تلزم الاتفاقية الدول الأطراف بتدمير ترسانتها من الأسلحة والافصاح عن مخزونها والتعاون في تدميره.

ولكن هل أن عدم انضمام الدول إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية يسمح لها باستخدام هذا السلاح في الحروب والنزاعات التي تكون طرفاً فيها؟

إن عدم انضمام الدول إلى هذه الاتفاقية لا يشكل مبرراً لاستخدام السلاح الكيميائي، لأن هذا السلاح حظرت استخدامه مبادئ القانون الدولي الإنساني والتي أصبحت جزءاً من القانون الدولي العرفي،

ومن بين هذه المبادئ العرفية المبدأ الذي يقضي بحظر استخدام السلاح عشوائي الأثر أو الذي يسبب الاماً لا داعي لها أو يلحق بالبيئة الطبيعية أضرار واسعة الانتشار وطويلة الأمد، إضافة إلى المبدأ الذي يحظر استخدام السم والأسلحة السامة.

كما ان استخدام السلاح الكيميائي يعتبر محظوراً في ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ أنه ينتهك مجموعة من حقوق الإنسان ويعتبر الحق في الحياة والحقوق المتفرِّعة عنه من أهم هذه الحقوق التي ينتهكها هذا السلاح .

ويترتب على استخدام السلاح الكيميائي في القانون الدولي نوعان من الآثار. النوع الأول يتعلق بمقاضاة الدولة التي استخدمت هذا السلاح، وإلزامها بالتعويض عن الأضرار التي أحدثتها، على اعتبار ان استخدامه يعد عملاً دولياً غير مشروع يلقي المسؤولية على الدولة التي تستخدمه.

ويتعلق النوع الثاني من الآثار بمقاضاة من أمر باستخدام هذا السلاح سواء من رؤوساء الدول أو القادة العسكريين على اعتبار ان استخدامه يشكل جريمة حرب، تستتبع المسؤولية الجنائية الدولية.

وعلى الرغم من تحريم استخدام السلاح الكيميائي ، سواء في النزاعات الدولية أو النزاعات غير الدولية، إلا أنَّ الدلائل تشير عكس ذلك .

ففي العام 2013 تبادل النظام السوري والجيش السوري الحر الاتهامات باستخدام السلاح الكيميائي في بعض المناطق السورية، ولاسيما في خان العسل بريف حلب يوم 19 آذار / مارس، وفي الغوطة الشرقية يوم 21 آب / أغسطس من العام نفسه.

ومع اشتداد الاتهامات للنظام السوري باستخدام السلاح الكيميائي وخشية من أي تدخل عسكري  وافقت سوريا، بعد اتفاق توسطت فيه روسيا والولايات المتحدة الأميركية،على الانضمام إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية وتدمير مخزونها من هذا السلاح .

وإزاء ذلك أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2118 الذي جاء فيه أنه في حال عدم الامتثال “ومنها أي نقل غير مصرّح به للأسلحة الكيميائية أو أي استخدام للأسلحة الكيميائية من قبل أي طرف في سوريا”

فسوف يتم فرض إجراءات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ويجيز الفصل السابع لمجلس الأمن الدولي اتخاذ إجراءات رادعة مثل فرض عقوبات وقد تصل إلى استخدام القوة العسكرية لفرض تطبيق القرار.

ومؤخراً خلص تحقيق مشترك للأمم المتحدة والمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية إلى أن النظام السوري مسؤول عن هجومين بغاز الكلور على بلدتين في سوريا عامي 2014  و 2015، وأنَّ تنظيم داعش مسؤول عن هجوم بغاز الخردل على بلدة شمال حلب عام 2015.

وعند عرض تقرير الأمم المتحدة على مجلس الأمن الدولي سعت كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية لفرض عقوبات على سوريا بسبب استخدامها السلاح الكيميائي منتهكة احكام اتفاقية الأسلحة الكيميائية وقرار مجلس الأمن الدولي 2118 ،

إلا أنّ مجلس الأمن فشل في فرض عقوبات بسبب تشكيك روسيا في الدليل الذي قدمته اللجنة، فالتقرير لا يتضمن أسماء ولا مواصفات ولا بصمات وأشارت إلى أنَّ الموضوع يحتاج إلى مزيد من التحقيق.

وبالمقابل رفضت سوريا الاتهامات الموجهة إليها باستخدام السلاح الكيميائي، وأبدت استعدادها للتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن اتهامها باستخدام السلاح الكيميائي.

يؤخذ على هذا التقرير أنه ركَّزَ على اتهام النظام السوري باستخدام السلاح الكيميائي ولكنه غضّ النظر عن اتهام تنظيمات إرهابية ، تملك أسلحة كيميائية كـ “جبهة النصرة” التي غيّرت اسمها الى جبهة “فتح الشام” و ” جيش الاسلام” و حركة ” نور الدين الزنكي”.

فقد كشف تحقيق نشرته مجلة foreign policy  في آب/ أغسطس 2016 أن جبهة النصرة قد استولت على أسلحة كيميائية من موقع الفوج 111 التابع للجيش السوري بعد أن نجحت في اقتحامه والسيطرة عليه في العام 2012.

أما ” جيش الاسلام” فقد تسلّم في العام 2013 شحنة كيميائية من الترسانة الليبية ، وتضمنت الشحنة أحد عشر صاروخاً مزوداً برؤوس كيميائية.

ولو سلّمنا جدلاً بصحة ما ورد في التقرير حول استخدام النظام السوري للسِّلاح الكيميائي منتهكاً بذلك اتفاقية الأسلحة الكيميائية، فماذا بالنسبة الى الولايات المتحدة الأميركية التي هي أيضاً تخالف بنود الاتفاقية من خلال عدم التزامها بالمهل المحددة لتدمير أسلحتها الكيميائية؟

فالولايات المتحدة الأميركية كان يتوجب عليها الانتهاء من تدمير ترسانتها الكيميائية في العالم 2012، إلا أنها اعلنت أنها دمرت حوالي 90% من أسلحتها الكيميائية،

وستنتهي من تدميرها في العالم 2023. كما يجب أن لا ننسى أنها استخدمت السلاح الكيميائي(سلاح الفوسفور الأبيض) أثناء هجومها على الفلوجة عام 2003،  على الرغم من أنها عضو في اتفاقية الأسلحة الكيميائية.

ما بين اتهام النظام السوري باستخدام السلاح الكيميائي، وبين رفض أي قرار دولي بفرض عقوبات أو التدخل العسكري في سوريا، يكون المدنيون هم كبش محرقة في صراع اقليمي وعالمي ، يسعى كل طرف إلى تحقيق مصالحه وبسط نفوذه بأي وسيلة أو أسلوب ومهما كان الثمن غالياً، غير مبالين بالمدنيين الذين يقتلون ولا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في وقت تكالبت عليها الأمم ونهشت من أجسادهم.

وإزاء استخدام السلاح الكيميائي المحرّم دولياً ، نتساءل إلى متى سيبقى العالم صامتاً عن الجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء؟ وإلى متى ستبقى الاتفاقيات الدولية الخاصة بحظر استخدام سلاح معين حبراً على ورق؟

ومتى ستتجلى الحقيقة لمعرفة من يستخدم السلاح الكيميائي لمحاسبته ومعاقبته من دون أي مخاوف من استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن؟ 

وكيف السبيل إلى ملاحقة التنظيمات الارهابية ومعاقبتها لاستخدامها السلاح الكيميائي؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى