اخبار عاجلةالوطن العربيتحقيقات و تقاريرمتابعات

استقالة الحريري من السعودية ومباشرة بعد لقائه ولايتي تعيد خلط الحسابات في الإقليم

كتب : أحمد أبو زيد الشبيتي

ما كاد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري يعود من لقائه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مشدّداً على أن اللقاء أكّد على التوافق التام مع القيادة السعودية على «استقرار لبنان وانتمائه الحاسم الى فضائه العربي»،

حتى عاد الحريري أدراجه إلى السعودية، وأعلن منها استقالته، وبالتالي استقالة الحكومة اللبنانية، في خطوة مفاجئة وصادمة، لأنصاره وأخصامه على حد سواء، وعلى قاعدة رفض أن يبقى لبنان «منطلقاً لتهديد أمن المنطقة»،

وقد ترافق ذلك مع تسريب معلومات عن محاولة اغتيال كانت تدبّر للحريري، من عناصرها تعطيل أبراج المراقبة في مطار بيروت، الأمر الذي نفته قيادة الجيش اللبناني أمس، قبيل ساعات من حديث مقرّر للسيّد حسن نصر الله لتناول تداعيات ما اعتبره «جنوناً سياسياً».

أصداء الاستقالة في الشارع اللبناني جاءت مختلفة، وتعكس الانقسام الداخلي العميق، بطبيعة الحال، في حين خيّم جوّ من القلق مما تخبئه الأيام المقبلة على الجميع، لا سيّما مع ترقب تداعيات اقتصادية ومالية، إن لم يكن للفراغ الحكومي في حدّ ذاته،

فلتنامي العقوبات المالية الأمريكية والعربية، واتجاهها من الآن فصاعداً لتجاوز دائرة شخصيات وأصول من «حزب الله» إلى حلفاء للحزب، قد يكون من بينهم مقرّبون لرئيس الجمهورية ميشال عون، ناهيك عن اجراءات عقابية مالية وتجارية وملاحية يمكن أن تطال اللبنانيين ككل.

وفي وقت حرص فيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على طمأنة المواطنين حول ثبات سعر صرف الليرة، الذي لم يتبدّل منذ أكثر من ربع قرن، انتشرت شائعات في الاتجاه المعاكس، تتحدّث عن نيّة لسحب الودائع من المصارف اللبنانية، وبما يجعل تدخّل المصرف المركزي لإنقاذ الوضع أصعب من المعتاد في مثل هذه الظروف.

ويأتي ذلك في موازاة حالة تشنّج مذهبي وطائفيّ متجدّدة. فمن جهة، تأتي الاستقالة بعد أشهر من اتساع رقعة المستائين ضمن الطائفة السنية من تعاظم سطوة «حزب الله»، لا سيما بعد معركة جرود عرسال، ومن جهة ثانية، ثمّة أزمة يمرّ بها التحالف المسيحي ـ المسيحي بين تيار الرئيس عون و«القوات اللبنانية»، التي كانت قد باشرت حملة «اعادة انتشار» لوزرائها ضمن الحكومة، من دون مغادرتهم لها.

وإذا كانت «القوات» عبّرت عن استيائها من توقيع رئيس الحكومة على اعتماد سفير لبناني جديد في دمشق، فإنّ حديث رئيسها سمير جعجع عن ان الحريري كان عليه الاستقالة قبل الآن،

جاء ليطرح علامة الاستفهام عن عدم ترجّل وزراء «القوات» من الحكومة قبل ذلك، كي يكونوا هم في طليعة عملية فرط التشكيلة الحالية، ولئن تحدّث جعجع عن مشكلة «حكومة الظل» التي يقودها «حزب الله»

وتعطل عمل الحكومة، فانه اعتمد لغة أكثر سلاسة تجاه «حليفه اللدود»، الرئيس عون، داعياً اياه الآن لعقد «طاولة حوار وطني» بين مختلف الفرقاء.

رئيس الجمهورية من جهته، عكس موقفه مفعول المفاجأة. فقال انه ينتظر عودة الحريري للاطلاع على أسباب هذه الاستقالة، هذا في حين كان مناخ قوى 8 آذار يصف ما حصل بأنه فرض «للاقامة الجبرية» على سعد الحريري من طرف السعودية، وكون الاستقالة تزامنت مع حملة ايقاف أمراء وشخصيات قيادية ومالية بارزة في المملكة، حرص هذا المناخ على ادراج ما حصل مع الحريري في هذا السياق.

وتحاول «دار الفتوى» اللبنانية أن ترسم سقفاً مشتركاً للطائفة في هذه اللحظة، بخلاف ما حصل في آذار/مارس 2011، يوم دخل الرئيس الحريري الى البيت الأبيض للقاء باراك اوباما رئيساً للحكومة، فاستقال وزراء 8 آذار من الحكومة، ومعهم وزير شيعي مفترض انه من حصة رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان،

واعتبرت هذه الاستقالة نقضاً للمتفق عليه في «صلح الدوحة»، الا ان ما حصل يومها كان انقسام القيادات السنية، مع ترشّح نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، بدعم من «حزب الله» و8 آذار.

لكن ميقاتي يعلن أمس ان هذا ليس وارداً الآن، وان الطائفة السنية موحّدة أكثر من اي وقت مضى اليوم، غير انه ابدى اقتناعه في الوقت نفسه بأن المصلحة تقتضي عدم إعطاء مجال للفراغ في سدة رئاسة الحكومة الآن. من جهته،

شدّد الرئيس الأسبق للحكومة، فؤاد السنيورة، الذي يقود منذ فترة الجناح المشكّك في جدوى «التسوية» التي أفضت الى وصول عون للرئاسة، والى جدوى الاستمرار في حكومة يتحكّم حزب الله في مفاصلها،

على أنّ استقالة الحريري دعوة للتبصر في ما آلت اليه الأمور، وانه على تواصل دائم مع الحريري الذي حرص على تبليغ مقربين منه انه عائد في وقت قريب الى بيروت.

يبقى انه بين سفرتي الحريري الى السعودية، كان للقاء الذي عقده مع مستشار المرشد الايراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، أثر أساسي في مجرى الأمور. بعد هذا اللقاء، الذي سبق بساعات قليلة استقالته،

فلم يدل الحريري بأي تصريح، في حين جاء كلام ولايتي عن «إيران التي تحمي استقرار لبنان» فاتحة للكثير من التفسيرات، منها ترجمته كوضع لبنان تحت الحماية الإيرانية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى