اخبار عاجلةكتاب و مقالات

التحول الرقمي.. اقتصاد ما بعد الكورونا

سفير السلام والامل العالمي/ سميرعبده
================
لفيروس كورونا تأثيرٌ ملموس على العديد من جوانب الحياة، ولعل أهم هذه الجوانب هي نمط حياة الإنسان والتحول نحو الاقتصاد الرقمي الذي أصبح أمرا حتميا. التغيير في نمط الحياة وما تشهده المرحلة الحالية من أساليب العمل بالمنازل قد يدفع العديد من المؤسسات على اتباع ذلك النهج مستقبلا عندما يتجاوز العالم تلك الأزمة، بل قد تقوم بعض المؤسسات بتحديث ثقافة الموارد البشرية، واستحداث وظائف للعمل من المنازل بصفة أساسية بالإضافة إلى إمكانية تعيين كوادر أجنبية ليس للعمل من المنازل فحسب، بل أيضا للعمل من تلك الدول التي يعيشون فيها، وكذلك ينطبق الوضع على الأنشطة التعليمية ومجالات التدريب والمؤتمرات الدولية، فالأزمة الحالية لها بعض الإيجابيات -وإن كانت قليلة مقارنة بالسلبيات- لكنها أدت إلى ثورة فكرية قامت بتكسير القيود، وتخطت قواعد الحدود التقليدية، ولولا وجود التكنولوجيا وبيئة ريادة الإبداع والبنية التحتية، ما كنا لمسنا أي إيجابيات.

أحد تحديات الأزمة الحالية هي حتمية التحول الرقمي، وضرورة الاهتمام بالاقتصاد الرقمي، الذي أتاح لمختلف الأنشطة الاقتصادية والصناعية والخدمية وكذلك التعليمية فرصا هائلة للنمو وأيضا تحديات في الوقت ذاته يجب على الدول أن تضعها في خططها لتحقيق نمو مستدام، لا سيما أن التحول الرقمي يفرض واقعا جديدا على المجتمع، سواء في سلوكه الاستهلاكي، أو التعامل مع نطاقات الأعمال والخدمات في الشركات الخاصة أو المؤسسات الحكومية.

الاقتصاد الرقمي يعتمد بالأساس على الاستخدام الواسع النطاق للمعلومات والإنترنت في مختلف الاصعدة، مرتكزا بقوة على المعرفة والإبداع والتطور التكنولوجي، ويستند على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويتسم المجتمع الرقمي بقدرة كل فرد على استحداث المعلومات، والحصول عليها واستخدامها ومشاركتها، ووفقا لأحدث التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الانكتاد” في يوليو 2019, فتشير التقديرات إلى أن حجم الاقتصاد الرقمي يتراوح بين 4.5% إلى 15.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أي ما يوازي 3.8 تريليون دولار إلى 13 تريليون دولار.

ووَفقا لأحدث بيانات البنك الدولي لعام 2018 فنجد أن 47% من السكان في مصر يستخدمون الإنترنت, بينما عدد مشتركي الهاتف المحمول بلغ حوالي 94 مليون مشترك. وإذا تطرقنا لأحدث التقارير الصادرة عن مؤسسة “هوتسيوت” في يناير 2020 سنجد الإحصائيات الخاصة بمصر كالتالي:

– ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت في مصر ليصل إلى 54% من تعداد السكان بواقع 54 مليون فرد, في حين أن 41% من تعداد السكان بواقع 42 مليون فرد يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن 99% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يدخلون إليها عبر الهاتف المحمول.

– يتصدر الفيس بوك منصات التواصل الاجتماعي في مصر بنسبة 91%، يليها يوتيوب بنسبة 89%، ثم تطبيق الواتس آب بنسبة 79%، ثم فيسبوك ماسينجر بنسبة 73%، ثم انستجرام بنسبة 68%، وتويتر بنسبة 52%، وأخيرا لينكيد ان بنسبة 34%.

– يبلغ متوسط عدد ساعات تصفح الإنترنت في مصر7 ساعات للفرد، بينما تبلغ متوسط عدد ساعات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي 3 ساعات للفرد.

– تبلغ نسبة الأفراد فوق الـ 18 عاما الذين لديهم بطاقات ائتمان 3.3% من تعداد السكان في مصر، بينما تشكل نسبة دافعي الفواتير عبر الإنترنت 3.5% من تعداد السكان، بينما تشكل نسبة الأفراد مستخدمي المحفظة الذكية 1.8% من تعداد السكان في مصر.

يعتمد الاقتصاد الرقمي على مجموعة من الدعائم والمكونات الرئيسية كالآتي:

* المنتجات والخدمات الرقمية: مثل بيع المنتجات أو تقديم الخدمات الإلكترونية، مثل خدمات الدفع الإلكتروني أو تقديم الخدمات الحكومية.

* العملاء: القائم استهلاكهم على استخدام الإنترنت.

* البائعون: وهي المؤسسات والشركات أو مقدمي الخدمات عبر الإنترنت.

* تكنولوجيا المعلومات: وهي الجهات التي تقوم بتوفير وتطوير البرامج والتقنيات والمنصات التكنولوجية.

الجهود التي بذلتها مصر لمواكبة التحول الرقمي :

انتهجت مصر استراتيجية التحول إلى الاقتصاد الرقمي بإنشاء المجلس الأعلى للمجتمع الرقمي والمجلس القومي للمدفوعات، اللذيْن تم إنشاؤهما في 2017، ويقومان بالتنسيق مع عدة جهات أخرى، مثل وزارة التخطيط، ووزارة الاتصالات والبنك المركزي، فضلا عن إنشاء المجلس الأعلى للأمن السيبراني وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتجارة الإلكترونية في 2017، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الانكتاد”، وذلك في إطار تشجيع التجارة الإلكترونية، وفي هذا الصدد نجد الجهود الحثيثة التي تبذلها أجهزة الدولة المصرية متمثلة في الآتي:

– تدشين مشروع البنية المعلوماتية المصرية، لربط أكثر من 70 قاعدة بيانات حكومية ببعضها.

– تفعيل منصة الخدمات الحكومية، والتوسع في تطويرها لتشمل ميكنة جميع الخدمات التي تقدمها الدولة، وكذلك خدمات المرور، ودفع جميع الفواتير بشكل إلكتروني.

– إعداد الموازنة العامة للدولة في إطار منهجية البرامج والأداء.

– تطوير النظم الضريبية والإقرارات الضريبية الرقمية.

– تفعيل الدفع الإلكتروني للمدفوعات الحكومية والتحول الرقمي الخاص بنظم التعاقدات الحكومية.

– إنشاء النافذة الواحدة بالجمارك المصرية.

– تدشين البوابة الإلكترونية لحجز الأراضي الصناعية خلال وزارة الاستثمار.

– ميكنة كل الخدمات الحكومية بجميع المحافظات، حيث تم التطبيق بمحافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس.

– إقامة العاصمة الإدارية الجديدة التي ترتكز على فلسفة التحول إلى حكومة رقمية.

دور القطاع المصرفي لدعم جهود الدولة في التحول الرقمي:

لم يكن القطاع المصرفي المصري يوما بعيدا عن التطور الرقمي، إذ لمس تحولا جذريا خلال السنوات الماضية، مدفوعا بالنمو الاقتصادي المطرد، واهتمام الدولة بتحقيق الشمول المالي، وسعي البنك المركزي لتذليل كافة المعوقات، والاتجاه بقوة نحو التحول الرقمي عبر التكنولوجيا المالية كواحدة من الأعمدة الرئيسية في بيئة ريادة الأعمال المصرية، مما يسهم بشكل فعال في الوصول إلى الشرائح المجتمعية، التي لا توجد لها تعاملات بنكية.

تحظَى الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بدعم ملحوظ من البنك المركزي، ويتضح ذلك من خلال المبادرات التي يقدمها البنك المركزي لتلك الشركات، وإتاحة تقديم طلبات الإقراض عبر المواقع الإلكترونية، ومنح القروض، وتحصيل أقساطها من خلال الوسائل الرقمية، لضمان وصول العملاء من مختلف المواقع الجغرافية، وإتاحة البنك المركزي للدفع عبر المحمول سيجعل البنوك تتحرك بوتيرة أسرع، خاصةً لتفعيل التمويل الرقمي ذي الحد الائتماني المنخفض، بناء على تكنولوجيا تحليل البيانات، كما أن رقمنة الخدمات المصرفية تخلق ما يعرف بعصر الشفافية الرقمية، حيث تتيح البيانات المطلوبة عن أنشطة العملاء، وتاريخهم الائتماني.

ختاما، فعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تقوم بها الدولة من أجل التحول الرقمي، إلا أن الإحصائيات سبق الإشارة إليها لنسبة المواطنين حائزي بطاقات الائتمان بواقع 3.3% من تعداد السكان، وكذلك نسبة دافعي الفواتير عبر الإنترنت التي تمثل 3.5% من تعداد السكان, ونسبة الأفراد مستخدمي المحفظة الذكية التي تمثل 1.8% من تعداد السكان في مصر يشير إلى وجود مجتمع يفتقد إلى الثقافة والمعرفة الرقمية؛ مما قد يعوق توجه الدولة نحو التحول الرقمي، لذلك أناشد أجهزة الدولة بمحو الأمية التكنولوجية للمواطنين، وتمكين المواطنين من جميع الأعمار من الاستفادة من التكنولوجيا من خلال النهوض بالتعليم الإلكتروني، وضرورة تشجيع أفراد المجتمع للتفاعل مع هذا النوع من التعليم، ومساهمة التربويين في صناعة هذا التعليم، وتوفير البنية التحتية له، التي تتمثل في إعداد الكوادر البشرية المدربة، وكذلك البنية التحتية٠

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى