أدباخبار عاجلة

حكاية وطن من خلال قصيدة (شوارع الليل ) للشاعرة الجزائرية / سحر القوافي

بقلم الأديب / فاروق الحضري
_______________

شوارع الليل

===========
للشاعرة الجزائرية/ سحر القوافي
________________

أمتطي صهوة الشجن..
أتيه في أرصفة الليل..
وفي شوارع من قتاد ولهب..
أخطو على بقايا الزجاج المسننة والجمر
أتبع وجهك المتواري خلف الحجب
وجهك الخريفي الوسن..
وجهك الوجيف في غياهب الزمن
أتيه خلف السراب..
أقف على العتبات والأبواب
أسأل عن الخلان والأحباب..
وأسأل عن وطن..
يرجع نشيج صوتي كالنحيب
أنظر حولي.. أتفرس في المدى
شوارع الليل رهيبة..
ترتجف من قرها الأجساد السليبة
وتلك الوجوه المكدودة الكئيبة
تلك الوجوه العطشى لقطرة مزن
وتلك البطون الخاوية تئن..
تستجدي الخبز والكرامة..
وتسأل رحمة قلوب غلفها الجفاف والجفاء والعفن
تستعطف أصناما من صقيع ورخام
وعيونها كالجمرات تبرق في الظلام
فيتصاعد من أنفاسها الشرر والدخان
لكنها تتوق للابتسامة.. للمودة والسلام
غريبة شوارع الليل..
مقيتة هي شوارع الليل..
يباع فيها الحب على الأرصفة كالطعام
وتبتاع فيها الشهرة والأحلام
وتعربد على مشارفها أيادي الإجرام
وتلك الصبية تبرجت في شوارع الليل
تبيع الهوى والعفة…
لتقتات الفتاة من فحيح الأجسام
وهناك.. بقايا رميم.. وجلد وعظام..
تتكدس في ركن الشارع المعتم
قد هدها الذل والوهن..
تخشى المخفر والأصفاد والسياط..
وتخشى تجار النخاسة اللئام..
خناجرهم لا ترحم..
يبيعون إربها بالدينار والدرهم..
وفي ركن الشارع المهجور..
الغائص في البؤس والديجور..
توأد آلاف الأحلام..
ينفى منها العز والغرام..
وتغرس في خواطرها آلاف الأوهام
فالحاكم الأعظم.. جلالة السلطان..
سيعيد السكينة.. سيرمم الأرحام
ويعيد رسم الوطن..
==================

في غياب العدالة الاجتماعية تتردى الأوضاع في أي مجتمع ولذلك تكافح الشعوب باحثة عن الحريات والعدالة والمساواة ، وتبذل كل غال ونفيس في سبيل تحقيق الأهداف السامية ، والآمال المنشودة ..والشعر من الفنون الراقية التي لها دور كبير في إيقاظ الوعي الاجتماعي .. والشاعرة بحسها المرهف تحمل على عاتقها قضية وطن تراه ينزف الجراح ، ويتألم من أوضاع مؤلمة..الشاعرة بارعة في الاستهلال تبين لنا مدى الألم الذي تقاسيه وكأن الدنيا كلها تشاركها الأسى في عالم لاسعادة فيه ، ولا جمال.. تقول:

“أمتطي صهوة الشجن..
أتيه في أرصفة الليل..
وفي شوارع من قتاد ولهب..
أخطو على بقايا الزجاج المسننة والجمر
أتبع وجهك المتواري خلف الحجب
وجهك الخريفي الوسن..
وجهك الوجيف في غياهب الزمن
أتيه خلف السراب..
أقف على العتبات والأبواب
أسأل عن الخلان والأحباب..
وأسأل عن وطن..”

..وعندما يهون الوطن ، تظهر الأشباح وتفتك بالشعوب ويهمش الناس و يعانون من الجهل والفقر والمرض ولذلك يتوقون إلى الابتسامة ،والفرحة …وعلي الجانب الآخر نرى انتشار البطالة وغلاء المعيشة وحوش كاسرة تقود الإنسان الي السلبية والانحلال وارتكاب الجرائم تصف ذلك الشاعرة قائلة:
“غريبة شوارع الليل..
مقيتة هي شوارع الليل..
يباع فيها الحب على الأرصفة كالطعام
وتبتاع فيها الشهرة والأحلام
وتعربد على مشارفها أيادي الإجرام
وتلك الصبية تبرجت في شوارع الليل
تبيع الهوى والعفة…
لتقتات الفتاة من فحيح الأجسام ”

..والشاعرة من خلال القصيدة تظهر لنا حقائق واضحة أن غياب العدالة والحرية والمساواة يتبعه اليأس والفوضى والظلم ، والخوف يسكن قلوب الناس من مستقبل معتم، وتقتل الأحلام تقول الشاعرة:

وهناك.. بقايا رميم.. وجلد وعظام..
تتكدس في ركن الشارع المعتم
قد هدها الذل والوهن..
تخشى المخفر والأصفاد والسياط..
وتخشى تجار النخاسة اللئام..
خناجرهم لا ترحم”

.. والإنسان في الوطن كالخلية في الجسد بصلاحه يصلح الوطن وبفساده يتعكر صفو الوطن.. فمن يرسم لنا الوطن من جديد ، ويعيد بناءه.. القصيدة من أجمل القصائد كلما تعيد قراءتها تمنحك عطرا جديدا ..استخدمت الشاعرة الألفاظ المعبرة الخالية من الغرابة والتعقيد ..فكرة الشاعرة تدل علي مدي تأثرها لما تلمحه عيناها من أمور يندى لها الجبين وتدمي العيون وتفتت الأكباد والأحشاء.. والعاطفة المسيطرة علي الشاعرة تظهر في الحزن والألم ..والخيال في القصيدة متنوع ببن جزئي وكلي حيث رسمت الشاعرة لوحة فنية متعددة العناصر بريشة فنان مبدع نجح في جذب القلوب والأسماع وتمثلت عناصرها في الصوت ” نحيب.. تئن.. تستعطف.. فحيح” ، والحركة تمثلت في” أمتطي ..تتصاعد ..ترتجف ” ، واللون في “الظلام ..الليل ..الديجور” وأما الجزئي فقد اتضح في الاستعارة والتشبيه والكناية بغرض التجسيم والتشخيص والتوضيح ..وتحققت الوحدة العضوية بوحدة الموضوع ” حيث اختارت الشاعر عنوان للقصيدة يعبر عن مضمونها ” ، ووحدة الجو النفسي” يتضح في تلك المعاناة من الأوضاع المتردية في شوارع الليل” .. والموسيقى خفيفة بسيطة حيث التناسق الجميل بين الألفاظ والانسجام الصوتي بين الكلمات .. وتجربة الشاعرة شعورية عامة ..شكرا للشاعرة علي هذا الإبداع الممزوج بالمتعة والجمال ..

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى